حتى موعد انتهاء العمل كان نجيب محفوظ مثالا للموظف الملتزم، القريب من أدق أسرار عالم الموظفين، وما يحفل به من صراعات وطموحات وآمال ومكائد، ومصائر ترتفع بالبعض إلى ذرى الناصب، وتصيب الآخرين بخيبات الأمل. وقد أمدته هذه المعرفة بمادة غزيرة ألهمته نماذج أدبية خالدة فى أعمال يمكن التأريخ بها لمصر خلال القرن العشرن.
وفى سلسلة "كتاب الهلال" صدر بمناسبة عيد ميلاد نجيب محفوظ (11 ديسمبر) كتاب "الوظيفة والموظفون فى عالم نجيب محفوظ" يرصد فيه مؤلفه مصطفى بيومى ـ بدأب شديد ـ الموقع الذى احتله الموظف فى الحياة المصرية فى أدب نجيب محفوظ، عبر عشرة فصول هى "المكانة الاجتماعية للموظف"، "اقتصاديات الموظفين"، "البطالة والانحراف والفساد"، "البطالة المقنعة والتمرد على الوظيفة"، "المرأة والوظيفة"، "الموظفون والتعليم"، "الموظفون والثقافة"، "الموظفون والسياسة"، "صراعات ومعارك"، "لوائح وعقوبات".
وفى المقدمة يسجل الأهمية التى يحظى بها الموظف فى التاريخ الاجتماعى المصري، ومن ثم فى عالم نجيب محفوظ، الذى يعبر عن هذا التاريخ الثري، لذلك لن يجد القارئ صعوبة فى اكتشاف أن الأغلب الأعم من أبطال روايات محفوظ موظفون: أحمد عاكف فى "خان الخليلي"، محجوب عبدالدائم فى "القاهرة الجديدة"، حسين كامل فى "بداية ونهاية"، كامل رؤبة لاظ فى "السراب"، ياسين وكمال ورضوان وعبدالمنعم فى "الثلاثية"، عيسى الدباغ فى "السمان والخريف"، أنيس زكى فى "ثرثرة فوق النيل"، سرحان البحيرى فى "ميرامار"، حامد برهان فى "الباقى من الزمن ساعة"، إسماعيل قدرى فى "قشتمر"، أما عثمان بيومى فهو النموذج الأكثر اكتمالا للموظف، فى "حضرة المحترم"؛ وهى الرواية التى تصل إلى الذروة فى تجسيدها غير المسبوق لنفسية الموظف وملامح عالم الموظفين فى الواقع المصرى.
بل إن الموظف موجود بقوة فى رواياته التى يسلتهم فيها التاريخ، كما فى "العائش فى الحقيقة"، إذ يقول الحكيم آى ـ أبو نفرتيتى ـ لأخناتون: عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع فى الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب".
وعبر صعود الموظف وتراجع مكانته، يقدم الكتاب قراءة لرحلة الطبقة الوسطى، وكيف تآكلت وتغيرت معها النظرة إلى الموظف والوظيفة، وخصوصا فى السنوات الأخيرة.
والمؤلف مصطفى بيومى روائى وناقد مصري، حصل على درجة الماجستير عن أطروحته "الكتابات الصحفية ليحيى حقى وقضايا التغير الاجتماعى فى مصر"، وله بضع روايات، وكتابات نقدية منها سلسلة "وصف مصر فى أدب نجيب محفوظ".