ولد أحمد الحسينى عرابى فى 31 مارس من عام 1841 بقرية "هرية رزنة" بمحافظة الشرقية، وتلقى تعليمه الأول بالأزهر الشريف ثم التحق بالجيش المصرى فى 6 ديسمبر 1854 كاتبًا بدرجة "أمين بلوك" بالأورطة الرابعة من آلاى المشاة الأول.
رُقى عرابى إلى رتبة ملازم عام 1858، حين أمر الوالى سعيد بترقية صف المصريين بالامتحان فى صفوف الجيش، وكان عرابى على رأس المتقدمين، ثم رقى إلى رتبة يوزباشى "نقيب حاليًا" فى عام 1859، ثم إلى رتبة صاغ "رائد حاليًا" فى العام نفسه، ثم بكباشى "مقدم حاليًا" فى عام 1860، ثم قائمقام "عقيد حاليًا" فى شهر سبتمبر من العام نفسه، ثم ارتقى حتى أصبح أميرلاى "عميد حالياً" .
وشارك البطل المصري، فى حروب الخديوى إسماعيل فى الحبشة وكان أول ظهور حقيقى له على الساحة حين تقدم مع مجموعه من زملائه مطالبين الخديوى توفيق بترقية الضباط المصريين وعزل رياض باشا رئيس مجلس الوزراء.
ففى صباح يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 تقدم "عرابي" القوات المقيمة بالقاهرة متجهاً إلى سراى عابدين حتى وصلوا عصرًا، لعرض طلباتهم على الخديوي، ثم خاطبوا القناصل الأجانب لتطمينهم على سلامة رعاياهم، وفى ذلك اليوم دار الحوار التاريخى ما بين الخديوى توفيق وما بين عرابى، المشهد الذى يعد أول ثورة وطنية فى تاريخ مصر الحديث والتى سميت آنذاك "هوجة عرابي" والتى جاءت على خلفية التدخل الأجنبى فى شؤون مصر بعد صدور قانون التصفية فى 1880 وعودة نظم المراقبة الثنائية "الإنجليزي- الفرنسي"، ولجوء رياض باشا إلى أساليب الشدة والعنف مع المواطنين المصريين، وسياسة عثمان رفقى الشركسى وانحيازه للضباط الأتراك والشراكسة وسوء الأحوال الاقتصادية.
وقال الخديوى توفيق يومها، معترضاً على مطالب الضباط المصريين: "كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا"... فرد عرابى بجملته الخالدة: "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذى لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم".
وقد رضخ الخديوى توفيق لمطالب الجيش وعزل رياض باشا من رئاسة الوزراء، وعهد إلى محمد شريف باشا بتشكيل أول نظارة وطنية فى تاريخ مصر الحديث فى 14 سبتمبر 1881 وتم تعيين محمود سامى البارودي، ناظرا للجهادية، وهو أول مصرى يتولى هذا المنصب فوضع دستورا للبلاد ونجح فى الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذى أقر معظم مواده، إلى أن عصف بكل هذا التقدم تدخل إنجلترا وفرنسا فى شؤون البلاد بعد أن ازدادت ضغوط الدول الأوربية الدائنة على مصر وأصرت بريطانيا وفرنسا على إدارة شؤون الخزانة المصرية وتم فرض تعيين مفتشين ماليين على شؤون الخزانة المصرية أحدهما إنجليزى والآخر فرنسي.
وأمام كل هذا أصر مجلس الأعيان برئاسة محمد سلطان باشا على تغيير وزارة محمد شريف باشا التى قبلت بكل هذه التدخلات وتأزمت الأمور وبالفعل تقدم محمد شريف باشا باستقالته فى 2 فبراير 1882 وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامى البارودى شغل "عرابي" فيها منصب ناظرالجهادية أى (وزير الدفاع)، وتم إعلان الدستور وصدر المرسوم الخديوى به فى 7 فبراير 1882.
ولكن هذه الخطوة الوليدة فى الحياة النيابية ما لبثت أن بدأت حتى تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوى ووزارة البارودى حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية واشتدت الأزمة ووجدت بريطانيا وفرنسا فى هذا الخلاف فرصة للتدخل فبعثت بأسطوليهما لشاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب على سبيل الإنذار للحكومة المصرية.
أعقب ذلك تقدم قنصلا الدولتين إلى "البارودي" بمذكرة مشتركة فى 25 مايو 1882 يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابى عن مصر مع احتفاظه برتبه ومرتباته، إلا أن البارودى رفض المذكرة باعتبارها تدخلا فى شؤون البلاد الداخلية، ورغم ذلك قبلها الخديوى توفيق واستقال البارودى وبقى عرابى فى منصبه بدعم حامية الإسكندرية.
وبعد ذلك ازدادت الأمرو فى مصر سوءًا حيث وقعت مذبحة الإسكندرية فى 11 يونيو 1882 على خلفية نشوب نزاع فردى وقع بين أحد رعايا مالطا وأحد المصريين وسرعان ما تطور لأحداث عنف ضد الأوربيين المقيمين بالإسكندرية وقتل فيها حوالى الخمسين أوروبيا وتشكلت وزارة جديدة ترأسها إسماعيل راغب وشغل عرابى أيضًا فيها نظارة الجهادية، واعتبرت إنجلترا وفرنسا عرابى مسؤولا عن تحريض المصريين ضد الأجانب، وتزعمت بريطانيا جهود القضاء على عرابى.
واستغلت بريطانيا شروع الحكومة المصرية فى نصب بعض المدافع على قلعة الإسكندرية ووجهت فى 10 يوليو 1882 إنذارًا للحكومة المصرية بتسليم القلعة أو ضرب الإسكندرية باعتبار أن ذلك يمثل عملاً عدائيًا ضد بريطانيا، وبالفعل ضرب الأسطول الإنجليزى الإسكندرية فى 12 يوليو 1882 ونزلت قواتهم الإنجليز إليها فى اليوم التالي.
بعدها قرر «عرابي» أن يسحب قواته منها وأن يتحصن عند كفر الدوار، ولكن الخديوى الموالى للإنجليز أرسل لـ عرابى فى كفر الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية، ويُحمله تبعيات ضرب الإسكندرية، ويأمره بالمثول لديه فى قصر رأس التين، إلا أنه لم يمتثل وجلبت الحكومة البريطانية المزيد من قواتها.
وبدأت المعركة وشيكة الحدوث حيث تم تحريك 15،000 جندى من مالطة وقبرص بالإضافة إلى 5،000 من الهند باتجاه مصر وبلغ تعداد الجنود البريطانيين 30,000 جندي، فيما بعث «عرابي» لجميع أنحاء البلاد ببرقيات يتهم فيها الخديوى بالانحياز إلى الإنجليز فقام الخديوى بعزل «عرابي» من منصبه، ولم يمتثل عرابى لأوامره وانتصر على الانجليز فى كفر الدوار.
وفى 22 يوليو 1882 عُقِد اجتماع فى وزارة الداخلية، حضره نحو 500 من الأعضاء، يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضى قضاة مصر ومُفتيها، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون، ومديرو المديريات، وكبار الأعيان وكثير من العمد، فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة وأفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر، وهم "محمد عليش، وحسن العدوي، والخلفاوي"، بـ "مروق الخديوى عن الدين" لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده.
أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي، وعصيان أوامر الخديوى لخروجه عن الشرع الحنيف بل جمعوا الرجال والأسلحة والخيول من قرى وعزب وكفور البلاد وقد قام العمدة محمد إمام الحوت، عمدة الصالحية شرقية، والعمدة عبدالله بهادر، عمدة جهينة جرجاوية، ببث الحماسة فى الناس وجمع ما يستطيعون من الرجال والسلاح لدعم عرابى وانضم محمد سلطان باشا للخديوى وعلى يوسف (خنفس باشا) واحتل الإنجليز بورسعيد.
وفى 28 أغسطس 1882 اشتبك الجيش البريطانى مع الجيش المصرى فى معركة القصاصين وكاد أن ينتصر الجيش المصرى لولا إصابة القائد راشد حسنى إلى أن كانت الجولة الفاصلة بين عرابى والانجليز فى "التل الكبير" فى 13 سبتمبر 1882 الساعة 1:30 بعد منتصف الليل ولم تستغرق سوى من 30 دقيقة أو أقل حيث فاجأ الإنجليز القوات المصرية المتمركزة فى مواقعها منذ أيام، وواصلت القوات البريطانية تقدمها للزقازيق وأعادت تجمعها ثم استقلت القطار للقاهرة التى استسلمت حاميتها بالقلعة بقيادة خنفس باشا، وكان ذلك بداية الاحتلال البريطانى لمصر الذى دام 74 عاماً .
وبعد دخول الإنجليز القاهرة فى 14 سبتمبر 1882 ووصول الخديوى قصر عابدين فى 25 سبتمبر 1882 عقدت محاكمة لـ "عرابي" وبعض قادة الجيش وبعض العلماء والأعيان وتم الحكم عليهم فى 3 ديسمبر 1882 بالنفى، وفى ٢٨ ديسمبر من نفس العم غادرت الباخرة ميناء السويس وعليها عرابى والبارودى إلى سريلانكا، وعاد "عرابي"» بعد 20 عامًا ولدى عودته من المنفى عام 1903 أحضر شجرة المانجو إلى مصر لأول مرة، وعاش فى مصر إلى أن توفى فى 21 سبتمبر 1911.