سأل الرئيس أنور السادات، الفريق سعد الدين الشاذلى عن أحوال زوجته والعائلة، كان حديثه طيبًا وظريفًا، حسب تأكيد «الشاذلى» فى مذكراته «حرب أكتوبر» عن «دار رؤية للنشر - القاهرة» حتى العتاب الذى وجهه له، كان عتابًا ضاحكًا باسمًا: «لا، لا، لا.. أنا زعلان منك، إزاى تعمل كده؟، أنت اتجننت؟، أبعت لك حسنى مبارك برسالة منى فترفض الرسالة، أنا لما قال لى حسنى إنك رفضت، قلت أبعث أجيبك وأكلمك بنفسى لكن حسنى قال لى: بلاش دلوقت، ده مصمم وراكب دماغه، قلت طيب بعدين».
جرى لقاء الاثنين بمدينة أسوان فى مثل هذا اليوم «6 يناير 1974»، وكان بطلب من «الشاذلى» بعد أن أقاله السادات من رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، وقرر تعيينه سفيرًا فى وزارة الخارجية يوم 12 ديسمبر 1973، وحين أبلغه المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، بقرار التعيين رفض قبوله، فأرسل إليه السادات نائبه حسنى مبارك لإقناعه، لكنه فشل أيضًا، وبعد حوالى أسبوعين أعلنت الصحف تعيين الشاذلى سفيرًا لمصر فى لندن، فطلب لقاء السادات، وتمت المقابلة فى أسوان ويذكر «الشاذلى» وقائعها فى مذكراته بادئا بعتاب الرئيس له.
رد «الشاذلى» على عتاب الرئيس: «سيادة الرئيس، أنا لست منزعجًا من أن أترك القوات المسلحة، إن كل ضابط يجب عليه أن يترك القوات المسلحة فى يوم ما ليخلى الطريق لغيره، وهذه هى سنة الحياة، ولكن ما ضايقنى هو الأسلوب الذى أبلغنى به هذا القرار، سيادتك تعلم جيدًا ما بينى ويبن أحمد إسماعيل، ومع ذلك طلبت منه أن يقوم بإبلاغى بهذا القرار»، قال الرئيس، أنا أعرف ما بينك وبين أحمد إسماعيل وعلشان كده لما أبلغنى بأنك رفضت المنصب، وقال لى الكلام، الذى قلته له، اعتقدت أنه يبالغ فقررت أن أرسل لك حسنى مبارك فرفضت أيضًا، وعندما قلت أحضرك أمامى وأبلغك بنفسى، حسنى قال لى بلاش دلوقت»، وأضاف ضاحكًا: «لازم بيخاف منك، قل لى ماذا تعمل لكى تجعل مرؤوسيك يخافونك ويخشونك».
يواصل «الشاذلى»: «استرسل الرئيس فى حديثه، فأثنى على وأفاض فى ذلك كثيرًا، وقال، إننى مازلت موضع ثقته، وإن كل ما حدث هو أنه ينقلنى من مجال عمل إلى مجال عمل آخر، وإن ما اضطره إلى ذلك هو الخلاف الشديد، الذى يسود العلاقات بينى وبين أحمد إسماعيل، وحكى لى كيف ولماذا أعفى الدكتور محمود فوزى من رئاسة الوزراء، فقال: «كان فوزى يشتكى كل يوم ويقول لى، الوزير فلان والوزير فلان لا يسمعون كلامه، أنا مش فاضى علشان أعمل قاضى بين كبار الموظفين».
استطرد الرئيس قائلًا للشاذلى: «فيما يتعلق بك أنت وأحمد إسماعيل كان لازم واحد منكم يمشى، وأنا فكرت ووجدت أنه من الأفضل أنك أنت اللى تمشى وعرضت عليك أفضل المناصب عندنا، وأنا اخترت لك لندن ليس لمركزها الأدبى فحسب لأنى محتاج لأن يكون لنا رجل ذو خبرة عسكرية كبيرة فى لندن، إننا على اتصال الآن مع ألمانيا الغربية «كانت ألمانيا دولتين، غربية وشرقية»، وستقوم بإمدادنا بأسلحة متطورة ومتقدمة، وإن سفيرنا فى ألمانيا رجل مدنى اسمه محمد إبراهيم كامل «وزير الخارجية فيما بعد»، كان معى فى السجن وعينته فى الخارجية هو الآن سفيرنا فى ألمانيا، إنما طبعًا لا يفهم فى الشؤون العسكرية، ولا يستطيع أن يتابع عمليات المباحثات والعقود العسكرية، وأنا أهدف إلى أنك من لندن تقوم برحلات مستمرة إلى ألمانيا للإشراف على هذا الموضوع.
إن وظيفتك كسفير فى لندن ستكون موضوعًا ثانويًا بالنسبة للوظيفة الأولى وهى تسليح الجيش المصرى، وليس لدينا من هو أفضل منك للقيام بهذه المهمة.
يؤكد «الشاذلى»: «أفاض الرئيس فى حديثه حتى اعتبرت أن ما قاله هو ترضية كافية، وأن منصب سفير مصر فى لندن هو امتداد لمسؤوليتى فى خدمة القوات المسلحة المصرية وتقويتها، وقبلت المنصب».
يؤكد «الشاذلى» أنه بعد وصوله إلى لندن فى مايو 1974 أجرى اتصالا مع سفير ألمانيا فى لندن واكتشف أنه لم تكن لديه أية فكرة عن موضوع التسليح، وبعد عدة اتصالات سرية بينه وبين حكومته اتضح أن ما قاله الرئيس حوله كان من نسج خياله.