كأن الشاعر الكبير فاروق شوشة أراد قبل رحيله أن يصنع المفاجآت لجمهوره، دون أن يتعمد ذلك، ربما، ولكن المتابع للشاعر منذ رحيله سيجد أنه صنع أمرين كالمفاجأة غير المتوقعة منه، الأولى كانت مع مجلة "العربى"، أما الثانية، فتمثلت فى الاعتذار الذى تضمن المقدمة التى كتبها فى ديوانه "نخلة الماء".
ففى ديوان "نخلة الماء" الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية، والذى يعد هو الديوان الأخير فى مسيرته الشعرية، قرر فاروق شوشة أن يفاجئ جمهوره بكتابة مقدمة تعد هى الأولى التى يكتبها فى أى من دواوينه، يهدى "شوشة" هذا الديوان "إلى نخلة العريش التى تنبت على شاطئ البحر وترتوى بمائه"، ويقول فى مقدمته:
"لم يسبق لى أن كتبت تقديمًا لمجموعاتى الشعرية، ولم أطلب من غيرى أن يكتب هذا التقديم. وكنت، ومازلت، أوثر أن أترك للقارئ حريته الكاملة فى الوصول إلى ما يرتاح إليه من فهم أو رؤية أو قبول أو عزوف. لكننى، اليوم، أخرج عن القاعدة لإحساسى بأن هذه المجموعة الجديدة ليست كسابقتها لغةً أو صياغاتٍ أو همومًا إنسانية أو شعرية. فقد كان همى أن أتخلص من عباءة شعرية آن أوان خلعها، كى أستبدل بها: حرية أكبر، وآفاقاً أرحب، ولغة أكثر يُسرًا وبساطة وأنفاسًا أكثر جدة وحرارة".
وفى هذا الديوان الذى يضم 16 قصيدة، ويقع فى 117 صفحة من القطع المتوسط، يختتمه فاروق شوشة بقصيدين يرثى فى الأولى "مذاق جديد للموت" شقيقه "فخرى" الذى رحل فى مارس 2016، وفى الثانية "جوزيف حرب" الشاعر اللبنانى الذى رحل فى عام 2015.
ومن قصيدة رثاء "شوشة" فى وداع شقيقه نقرأ:
لا طعم موتٍ، مشبه موتًا سواهُ
فكل فقدٍ لوعةٌ
لها مذاقها الجديد
وساعة الرحيل مُرّةً
لكنها تلازمُ الحياة
وطعمها مختلف،
لأنها مقرونة بهولة الفقيد
وهكذا نظل دومًا فى مدارج الحياة
قلوبنا منذوة لراحلٍ جديد!
****
الآن، لا ملاذ لى، وقد سبقتنى
وصرتُ من بعدك، كلما سعيتُ لك
يرتطم القلب الكسير بافتقاد وجهك
الأنيس
وها أنا،
أسبحُ فى العراء
مفتقدًا صوتك
وارتخاءة الجليس وانطلاقة الحبيس
واستراحة الأمان
ولستُ أدرى حين لُقيانا معًا
هل كنتُ فيها ابنكَ
أم بُنى أنت؟
حياتنا الطويلة الملتحمة
قد قسمت بالعدل فينا
لا يغيب واحدٌ عن صاحبه
لأنه فيه،
يناديه يجىء
تنشق عنه الأرض لحظة النداء
والآن يا فقيدى العظيم
كلما استعدت طلتك
يغرورق القلبان
والعينان
بالبكاء
وأنطوى
فى زحمة الخواء
أواهُ
كم يوحشنى اللقاء!.
والجدير بالذكر هنا أنه إذا كان شقيق فاروق شوشة قد رحل فى مارس 2016، فإن شاعرنا الكبير قد رحل فى الرابع عشر من أكتوبر من نفس العام.
هذا ويضم الديوان قصائد تحمل العناوين الآتية: نخلة الماء، النخيل، الطير والشعر، مساحة للتأمل، النهر، كيف يقرأونك، مازلت منتظرًا، عصرٌ للسوقة، القتل الرحيم، غرق، نارى ومائى، حالة، رفاق العمر، قبل مرور الوقت، جوزيف حرب.