خطر بفكر «نابليون الثالث»، إمبراطور فرنسا، أن يرجو سعيد باشا والى مصر، مساعدته فى حربه بالمكسيك، فتحدث إليه بالفعل. كان «نابليون الثالث»، صديقًا لـ«سعيد باشا»، مما شجع إمبراطور فرنسا أن يتقدم بطلبه الذى أسرع والى مصر بالاستجابة له، حسب تأكيد كتاب «مصر فى عهدى عباس وسعيد»، تأليف الدكتور «زين العابدين شمس الدين نجم»، «دار الشروق- القاهرة»، فكيف شارك الجيش المصرى فى هذه الحرب؟
كانت جمهورية المكسيك، يرأسها المسيو «جوارز»، وقامت بها فتنة بهدف إسقاطه، وانتزاع السلطة منه، ووفقًا لـ«شمس الدين نجم»: «صادفت هذه الحركة هوى فى نفس الإمبراطور الفرنسى، وعمل على تعضيدها ليبسط نفوذه على المكسيك ويؤسس بها إمبراطورية تحت رعايته، وكانت حجته الأضرار التى لحقت بالأوروبيين من جراء هذه الحرب الأهلية، وقام بمطالبة الحكومة المكسيكية بتعويض عن هذه الأضرار، ولم ينجح الإمبراطور فى تأليب إنجلترا على المكسيك، فما كان منه إلا أن أرسل جيشًا إليها وبعد أن لحقت الهزيمة بهذا الجيش استنجد بصديق سعيد باشا».
ويذكر الأمير «عمر طوسون»، فى كتابه «بطولة الأورطة السودانية المصرية فى حرب المكسيك»، «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، أن حكومة المكسيك أساءت معاملة كثير من رعايا فرنسا وإنجلترا وأسبانيا، ونهبت أموالهم على أثر مطالبهم لها بوفاء ما عليها لهم من الديون، فكان ذلك السبب الظاهر لهذه الحرب، ويقال إن الغرض الذى كان يسره نابليون الثالث فى قرارة نفسه من وراء هذه الحرب إنما هو تأسيس حكومة ملكية كاثوليكية فى المكسيك، ليضمن بذلك وجود التوازن فى هذه البلاد مع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية»، ويضيف طوسون: «عقدت هذه الحكومات الثلاث النية على استخدام القوة المسلحة للحصول على مطالب رعاياها ووجهت كل منها حملة إلى المكسيك فى سنة 1861، ولكن لم يلبث الخلاف أن دب بين هذه الدول فسحبت إنجلترا وأسبانيا جنودهما من المكسيك فى أبريل سنة 1862، وقامت فرنسا وحدها بأعباء هذه الحرب».
ويقدم «طوسون» لمحة موجزة عن طبيعة المكسيك، قائلًا: «تنقسم إلى جبال ووهاد، ووهادها تسمى الأراضى الحارة وهى واقعة على سواحلها البحرية، ومناخها وبيل تنتشر فيه الحمى الصفراء والدسنتاريا وإذا أقام به الأوروبيون فتكت بهم هذه الأمراض فتكا ذريعا، أما الزنوج فيمتازون بحصانة طبيعية ضد هذين المرضين، ولهذا استخدمت فرنسا فيها عساكر منهم جندتهم لهذه الحرب خاصة من مستعمراتها، وخطر بفكر نابليون الثالث أن يرجو سعيد باشا والى مصر فى ذلك الحين أن يمده بألاى من الجنود السودانيين، فقبل سعيد باشا رجاءه غير أنه لم يرسل سوى أورطة مؤلفة من 453 جنديا بين ضباط وصف ضباط وعسكر، وهذه الأورطة مكونة من أربعة لوكات وهى من ألاى المشاة التاسع عشر، واشتركت فى حرب المكسيك من عام 1863 إلى عام 1867».
وفيما يذكر «طوسون» أن عدد الجنود 453، يؤكد «شمس الدين نجم»، أن العدد 1200 مقاتل، ويضيف طوسون، أنه فى يوم 8 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1863، أقلعت النقالة الفرنسية «لاشين» بهذه الأورطة من الإسكندرية مارة بـ«طولون»حتى وصلت إلى «فيراكروز» فى المكسيك يوم 23 فبراير، أى أن السفر استغرق 47 يومًا، ومات سبعة جنود أثناء السفر، وكانت بقيادة البكباشى «جبرة الله محمد أفندى» ووكيله اليوزباشى «محمد أفندى الماسى».
جاء فى التقارير الفرنسية عن الحملة، أنها كانت ذات ملابس حسنة وسلاح جيد وهيئة أنيقة واستعداد عسكرى يثير إعجاب كل من يراها، والتفاهم معها فى بادئ الأمر كان متعذرًا لجهل أفرادها للغة الفرنسية، فدعت الحالة إلى استخدام بعض الجنود الجزائريين الذين كانوا معهم فى حرب المكسيك للترجمة بينهم وبين سائر الجنود الفرنسية، ويؤكد «طوسون» على أن جنود هذه الأورطة قدموا أعظم الخدمات لشجاعتهم وبراعتهم فى الرماية وضرب النار. يذكر «شمس الدين نجم»، أن هذه القوات بقت مدة تزيد على أربع سنوات، قتل خلالها قائد الكتيبة، ولم يبق منها سوى بعض الضباط و300 جندى، وعادت إلى فرنسا بعد جلاء الفرنسيين عن المكسيك، واستعرضها الإمبراطور الفرنسى، بحضور القائد المصرى شاهين باشا الذى كان يزور فرنسا وقتئذ، ووزعت الأوسمة على بعض المميزين من رجالها، ورجعت إلى مصر عام 1867، فاستعرضها الخديو إسماعيل بسراى رأس التين وأمر بترقية عدد منهم.