جلس طارق عزيز، وزير خارجية العراق، ونظيره الأمريكى جيمس بيكر وجهاً لوجه، على مائدة اجتماعات فى قاعة بفندق «الإنتركونتنتال» بـ«جنيف» يوم 9 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1991، وفور بدء الاجتماع أخرج «بيكر» مظروفاً صغيراً من ملف معه، وتوجه بحديثه إلى «عزيز»: «الرئيس «جورج بوش الأب» طلب أن أسلمك هذا الخطاب لتسلمه بدورك إلى رئيسك، وتناول «عزيز» المظروف، وأراد أن يضعه أمامه على المائدة، لكن «بيكر» طلب إليه أن يقرأه وفقاً لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج - أوهام القوة والنصر» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة». وقرأ عزيز.
كان العالم بأسره يترقب هذا اللقاء، ربما يوقف عزم أمريكا وتحالفها الدولى شن الحرب على العراق بعد غزوها الكويت يوم 2 أغسطس 1990، وحسب هيكل، فإنه فيما خشيت عواصم عربية من احتمالات نجاح مفاوضات الوزيرين، أرسلت الإدارة الأمريكية تطمينات بأن الاجتماع لن يستغرق نصف ساعة، غير أن اللقاء امتد إلى ست ساعات ونصف الساعة.
جاء فى خطاب بوش: «إننا نقف اليوم على حافة حرب بين العراق وبقية العالم، وهذه حرب بدأت بغزو الكويت، وهى حرب يمكن أن تنتهى فقط بانسحاب عراقى كامل وغير مشروط وفق قرار مجلس الأمن رقم 678، وأنا أكتب الآن مباشرة لأننى حريص على ألا تضيع هذه الفرصة لتجنيب شعب العراق مصائب معينة، وأكتب لك مباشرة أيضاً لأنى سمعت من البعض أنك لست على علم بمدى عزلة العراق عن العالم نتيجة لما وقع.. إذا لم تقم بالانسحاب من الكويت انسحاباً كاملاً غير مشروطاً، فإنك سوف تخسر ما هو أكثر من الكويت، إن ما هو مطروح الآن ليس مستقبل الكويت، فالكويت سيتم تحريرها، وحكومتها ستعود، ولكن المطروح هو مستقبل العراق، وهو خيار يتوقف أمره عليك.. لا أكتب هذا الخطاب لكى أهددك، وإنما أكتبه لمجرد إخطارك».
طوى «عزيز» الرسالة بعد قراءتها ووضعها فى المظروف، قائلاً بهدوء حسب هيكل: «لا أستطيع أن أقبل هذه الرسالة، ولا أستطيع نقلها لرئيسى لأن اللهجة التى كتبت بها ليست مما يمكن أن يستعمل فى توجيه خطاب من رئيس دولة إلى رئيس دولة آخر»، وأزاح المظروف الذى يحتوى على الرسالة إلى ناحية «بيكر» بهدوء، لكن «بيكر» تركه فى مكانه قائلاً: «إنك على كل حال قرأته، وإذا لم تكن تريد أن تأخذه فأنا أستعيده من مكانه حيث وضعته الآن»، ويؤكد هيكل: «بقى المظروف على المائدة، وحين دخل موظفو الفندق القاعة بهد انتهاء الاجتماعات وجدوه على المائدة، وعليه اسم الرئيس صدام حسين فجروا به إلى الوفد العراقى ورفض تسلمه، ونصح بإعادته إلى الوفد الأمريكى وبدوره رفض، ليستقر الخطاب فى النهاية فى خزانة الفندق تحت بند «متعلقات نزلاء تعاد إليهم حين الطلب».
بعد الانتهاء من الجدل حول «الرسالة»، تحدث بيكر، ومما قاله: «أمامكم تحالف دولى وعربى هائل، وهذا التحالف مكلف بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، فإذا لم تنسحبوا قبل تاريخ 15 يناير، فإن هذا التحالف سيجد نفسه مسؤولاً عن تنفيذ هذه القرارات وبالقوة المسلحة، ثم توقف بيكر لحظة ليقول بعدها: «دعنى أعطك صورة دقيقة عن قوة التحالف الموجودة أمامكم»، وراح يشرح طبيعة القوات البرية والبحرية والجوية، ورد عزيز: «الصورة التى رسمتها الآن ليست جديدة علينا، وأخشى أن أقول لكم إن أصدقاءكم فى العالم العربى ممن تعاونوا معكم ضد العراق لا مستقبل لهم، فشعوبهم ستتصدى لهم، إن سياستكم أدت دائما إلى كوارث بالنسبة لأصدقائكم». قاطعه بيكر متسائلاً: «ألم يكونوا أصدقاءكم قبل أن يكونوا أصدقاءنا؟، رد عزيز: «نعم كانوا».
سأل بيكر: ألم تكذبوا على مبارك «رئيس مصر»؟ رد عزيز بالنفى، ثم قال: «نفهم من سياستكم كما نراها الآن أنكم تمارسون معنا بالضبط ما فعلتموه من قبل مع الرئيس ناصر سنة 1967»، فرد بيكر، بأنه ليس خبيراً بحرب 1967 لكنه أشار إلى أحد مستشاريه «دينس روس» مسؤول التخطيط فى الخارجية الأمريكية بالحديث عنها، وتحدث 15 دقيقة.
انتهى اللقاء بعد أن طال أكثر مما هو متوقع، ثم عقدا الوزيران مؤتمراً صحفياً لم يكن مشتركاً، وكان أهم ما قاله بيكر: «اجتمعنا اليوم بقصد الاتصال، وليس بقصد التفاوض»، أما أهم ما قاله «عزيز» فكان: «نعم» كإجابة على سؤال: «هل تنوون مهاجمة إسرائيل إذا قامت حرب؟».