عن دار الأدهم للنشر، أصدر الشاعر عبد الله راغب مجموعته الشعرية الجديدة، "هذا الراقص"، وهى الرابعة فى مسيرته الإبداعية، بعد مجموعات: سيدة الصباح، وأعضاء ليست لك، وتجذبه إلى آخر الكون.
تأتى مجموعة "هذا الراقص" فى 92 صفحة من القطع الصغير، وتضم أربع عشرة قصيدة متفاوتة الطول، تمثل استكمالاً لمشروع "راغب" فى قصيدة النثر، الذى يراهن على الغنائية فى احتفائها الشديد بالتفاصيل الذاتية، واتخاذها منطلقا للاقتراب من العام ومسائلته، عبر معجم يتراوح بين الحسية والتصوف، ويحتفى بالتيمات والعلامات ذات البعد الإيروتيكى، مستدعيا سياقات وأسماء ومداخل لغوية وبنائية وجمالية عديدة، بما يقود خطى القصيدة فى محطتها الأخيرة لتكون فسيفسائية عضوية، وجديلة يتضافر فيها الذاتى مع الموضوعى بشكل عضوى مسبوك برهافة وخفة وعمق، عبر جمل قصيرة ومشاهد متتالية ومخيال بصرى فانتازى بدرجة ما.
يعتمد عبد الله راغب فى عنونة قصائده على بلاغة التضايف فى شكله البسيط، عبر تركيب المضاف والمضاف إليه فى بعض القصائد، بينما ينحو فى قصائد أخرى منحى تجريديا للغاية، باستخدام مفردة واحدة عارية من الزمن والدراما والتركيب الكاشف، بينما لا تمثل العلامة اللغوية إطارًا حاكمًا للنص، هى أقرب إلى شخصية مقابلة لشخصية النص، تقيم ديالوجًا معه، ربما كانت انعكاس صورته فى المرآة أحيانًا، أو خصمه فى مباراة مصارعة فى أحايين أخرى.
فى مشروعه النثرى، يراهن عبد الله راغب على توليفة من العناصر والمداخل الفنية، تجتمع اللغة التقريرية إلى جوار الإنشاء بتآلف ورحابة، يمتد المعجم من الحسية للتصوف، ولا يتخلى الشاعر عن إشارة وامضة بين السطور لموقف رؤيوى عليم، لا يسحب قصيدة النثر بمعطياتها البنائية والجمالية الحديثة خارج رقعة العالم والاشتباك الجاد معه، وفى كل هذا تحضر الفانتازيا واندياحات الخيال فى قفزاته الحرّة للغاية، إطارًا جماليًا للعقل، للوعى الحاضر فى النص وفق هيراركى بنائى وجمالى يبدو محسوبا، وإن تخلى "راغب" عن موسيقى الشعر التقليدية وراهن على إيقاع النثر المغاير، فإنه لم يتخلى عن بلاغة التطريب التى يُحدثها الأثر الموسيقى، تضافر هذه الخلطة السابقة وإحكام عناصرها يصنع تطريبا من نوع مختلف، يشبه حالة الرقص الصوفى المتحرر من القواعد والأطر، ولكنه رقص وتمايل وخروج عن المدارات والأفلاك، ربما لهذا اختار "راغب" عنونة الديوان بـ"هذا الراقص"، رغم الاحتفاء الظاهرى بقتل الموسيقى، وما يتبع ذلك نظريا من تحجيم الرقص والسيطرة عليه.
من أجواء المجموعة، يقول عبد الله راغب فى نص لوركا:
لوركا
يخلع قبعته ويرسم عليها جهنم
ثمّ يُلقى بنفسه فيها
لكنّه مات وحيدا
على صخرةٍ
تُطلّ على قطالونيا
يعانى من امرأة عبرت أمامه
تمشى حافية فوق المحيط
وهى تُمسك جسدها بيديها
وتناوله أطراف اختفائها
فيلتقطها
ويصطاد بها لوحة
سوف تكون سفينته
إلى بحيرة أبدية
كانت تهيئ رملها لقدميه
قطالونيا
تجلس على الضفة الأخرى من فتنتها
فقط، لتثير بطراوة بطنها
جنديا
كان يحرس نفسه من شر الوسواس".