يحتفل ملتقى رؤى للإبداع والنقد بعيد ميلاد الروائى الكبير جار النبى الحلو، السبعين فى الخامسة مساء الأحد 29 يناير الجارى، ويشارك فى تقديم المقاربات النقدية الروائى هدرا جرجس، والناقد الدكتور علاء الجابرى، والدكتور شريف حتيتة، والدكتور أيمن حماد، ويدير اللقاء المسرحى أحمد سراج، بحضور نخبة من المبدعين على رأسهم القاص سعيد الكفراوى.
وأشار الروائى هدرا جرجس، فى دراسته التى سيقدمها فى الملتقى إلى أهمية المكان فى إبداع جار النبى الحلو قائلا: "يبدو المكان سيدًا فى روايات جار النبى الحلو، وليس بطلاً فحسب، هذا أول ما يمكننا الشعور به خلال التدفق الإبداعى لنوستالجيا تذكر الأماكن عبر الكلمات الدقيقة الشفيفة المنتقاة بعناية فائقة، لا زيادة ولا نقصان، جار مولع بتذكر أماكن الأمس، باعتبارها الوطن المفقود، خاصة تلك البكر التى لم يفضضها الصخب والانتهازية والزحام وآثام البشر، وله قدرة فائقة على رسم صورتين لها، ما كانته، وما آلت إليه مؤخرا، فى استنطاق بديع لفحوى التحولات سياسيا واجتماعيا ودينيا وحتى اقتصاديا".
وقال جرجس، إن جار قادر، وحده، على صناعة ما يسمى اصطلاحا "الذاكرة الحضارية" للوطن، وهذا عمل، مع تراكمه، عظيم، عجزت عن صناعته مؤسسات كاملة، لكنه لا يثبت لحظات الصعود فى الذاكرة فقط، إنما يرصد كذلك لحظات سقوطها، فالبحث عن الذاكرة المفقودة أو المهملة، فى الأماكن تحديدا، يأتى لديه فيما يبدو بلا وعى، وهذا سر عبقرية كاتبه، الذى لا يهتم فى كتاباته إلا بقيمة الإنسان الذى ينتصر له الكاتب ـ بالرغم من كل شروره ـ فى فطرته وبراءته.
ويشترك مع جرجس فى نفس الرؤية الباحث أيمن حماد، فقد توقف فى ورقته عند قيمة المكان والفضاء فى روايات جار النبى الحلو قائلا: «تحتفى روايات الكاتب جار النبى الحلو احتفاء كبيرا بالمكان، ويمكن القول إن المكان يعد البطل الحقيقى فى هذه الروايات، حيث تنعكس صورته على شخوصها الفقراء المهمشين».
وأكد حماد أن رواية "حلم على نهر" تعد خير دليل على ذلك، فبطلها "سيد" نموذج لأولئك الفقراء الضائعين الذين يحلمون بتغيير أوضاعهم البائسة، فيسعى جاهدا إلى الخروج من دائرة الحرمان والعوز والتهميش، عبر أحلامه، حتى ولو كانت مستحيلة التحقق، فيقع هو وأمثاله أسرى اغترابهم المقيم، متخذين من "المكان الحلم" ملاذا لهم.
فى حين جاءت مقاربة الناقد علاء الجابرى واضعة فى اعتبارها قيمة المنحى الإنسانى لأعمال جار النبى، قائلا، إن الدراسة عن جار تعد تقديرا لكتابة بلا صخب ولا ادعاء، وتقديم لقيمة المحلية التى لا تفارق الإنسان، مشيرا إلى أن رواياته فيها تثمين للصورة، وتفعيل للاستهلال، وتوظيف لاختلاف اللغة وتباين الرواة حال رسم الشخصيات. تغير الزمان وتطور مفرداته لم ينل من أصالة إبداع جار النبى الحلو، ففى "العجوزان" أنفاس من الثمانينيات معجونة بأسى الستينيات وصولا لشىء من يأس التسعينيات وما حولها.
ومن جانبه، تناول الدكتور شريف حتيتة فى مقاربته لرواية العجوزان، العمل الأخير للكاتب، خصوصية التجربة الإبداعية فى هذا العمل، وقال إنها نتجت عن خصوصية المنظور الروائى المختار له، وتناول حتيتة أبرز الظواهر الفنية التى يتسم بها العمل، ويأتى على رأسها التدفق السريع للسرد، فالفعل السردى، كما تظهر دراسته، حاضر بقوة، والمتوالية السردية شديدة التكثيف، مشيرا إلى أن ذلك يظهر أيضًا بوضوح على لغة الرواية التى تبدو موحية إيحاء لغة القصة القصيرة.
وأكد حتيتة فى دراسته، أن لغة الرواية محكمة بنائيًّا وبها من لمسات التجريب غير العابئ بمعيارية البناء الروائى فى سرد رشيق عن الإنسان الذى كثيرًا لا نشعر بتفاصيله الصغيرة إلا من خلال منظور إبداعى يلتقطها بحساسية مفرطة ويجسدها فى هذا العمل البديع والمتفرد.
يذكر أن الاحتفاء بعيد ميلاد جار النبى الحلو السبعين بمناقشة أعماله السردية يعد الندوة الثانية فى سلسلة ندوات ملتقى رؤى الشهرية التى ينظمها الناقد الدكتور عادل ضرغام، بعد ندوته الأولى التى ناقش فيها الأعمال الشعرية للشاعر رفعت سلام.