يطرح الكاتب والروائي محمود الوروارى روايته الجديدة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب " خريف البلد الكبير " والتي تصدر عن الدار المصرية اللبنانية ويدخل بها الكاتب الى افاق جديدة في عالم الرواية لم يرتدها في رواياته السابقة ،
في هذه الرواية لا يبتعد الورواري كثيرا عن تيمة السقوط التي لعب عليها منذ روايته "حالة سقوط التي نشرت 2007 والتي دارت احداثها حول اسرة عراقية بعد سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق ، ثم روايته " مدد التي نشرت في 2014 والتي دارت عن وزير من نظام مبارك بعد ثورة 25 يناير واعتبُرت قراءة في عقلية المنهزم امام شعبه .
وينتقل الورواري " في روايته الجديدة الى فكرة اخرى ابعد من السقوط وهي تفكيك منظومة الفساد والانحطاط التي تؤدي بالضرورة الى ما يمكن ان يكون فناءا كاملا لاوطان كبيرة .
وهنا ايضا يقيم معمار روايته الجديدة على حكايتين متوازيتين لنكتشف في النهاية اننا امام ما يمكن اعتباره روايتين تملكان كامل ادوات الروي ومقوماته
فالرواية تبدا من عالم رشدي الشيخ " الدبوماسي الشهير الذي يتعرض لبعض النكسات والهزائم الوظيفية والانسانية تجعله يعود الى ذاته المختفية خلف انانية استكمال حلمه في ان يكون وزيرا للخارجية ،
يترتب على التغيرات الجذرية في حياة دبلوماسي تعود ان يكون كل شيء محسوبا وبدقه .
تسير احداث حكاية " رشدي الشيخ بالتوازي مع حكاية اخرى مختلفة تماما في الزمان وفي الجغرافيا وفي الشخوص والدلالالت ايضا ، هنا يقدم الكاتب معالجة جديدة لفكرة المخطوطة فمن الوهلة الاولى لبداية الرواية يصل الى يد رشدي الشيخ صندوق يحتوي على اوراق لمخطوطة قديمة ياخذها الى خبير مخطوطات كبير ليفك شفراتها فيكتشف انها تحكي قصة بلد كبير كان موجودا في يوم ما واختفى
وتكشف المخطوطات بالتوالي والتدرج قصة هذا البلد الكبير الذي كان ، واسباب فنائة وخطوط صراعه عبر تحديد وتشريح شديد الدقة لفيروس الاختلاف وصراع اهل القيم واهل البيزنسوتكاد كل شخصية فى الرواية ان تكون عالما في حد ذاتها له خلفياته الاجتماعية والسلوكية التي توضح خريطة تصرف الشخصية في الحاضر ، ليست هناك شخصية مسطحة بلا بناء حقيقي ، فكل شخوص الرواية تعرف تفاصيل حياتهم منذ الطفولة سواء في حكاية الحاضر التي يقود مساراتها ويحركها بطل الحكاية "رشدي الشيخ ومعه فاطمتان" فاطمة قديمة واخرى جديدة ، روح واحدة تسكن جسدين .
زوجة رشدي الشيخ المتكبرة و استاذ المخطوطات وصديقه الذي اعطاه الصندوق الذي يحوي المخطوطة كلهم شخوص موجوعون بزمنهم ، قلقون في حاضرهم ، شخوص يمثلون مراة حقيقية لانهيار الحاضر وانحطاط التاريخي والسياسي والاخلاقي ، هم منتج طبيعي وتلقائي لمجريات احداث اقل ما توصف بانها فجيعة او سقوط .
أما شخصيات الحكاية القديمة تبدأ بالشيخ الكبير مؤسس البلد الكبير وهنا يحدث التلامس الاول بين الشخصيات بطل حكاية الحاضر رشدي الشيخ وبطل الحكاية القديمة " الشيخ الكبير ، وكان الكاتب اراد ان يقول " ان رشدي الشيخ هو امتداد لنسل الشيخ الكبير . ثم الشيوخ المؤسسون الاوائل الشيخ صامد ، الشيخ رياض ، الشيخ داوود ولكل قصته وبدايته وتطور هؤلاء هم الجيل الاول ، ثم ننتقل الى الجيل الثاني الذي ضيع وهدم وهم ابناء المؤسسين " جاسر وسيف وهادي ابناء الشيخ الكبير ،راغب وزهرة ابناء الشيخ داوود
رماح وجميلة ابناء الشيخ رياض ،وهدان ابن الشيخ صامد البطل
عبر هذا الجيل يتسرب فيروس الضعف والهزيمة حيث يبدا الصراع بين الخيانة متمثلة في راغب والبيزنس متمثلا في هادي ضد فريق الصمود المتمثل في سيف وجاسر ووهدان ورماح .
لكن النهاية تضع العديد من الاستفهامات المذهلة التي تجعل القارئ في مواجهة ذات متفتتة لا يعرف ان كانت تفتت على فجيعة الماضي ام على فجيعة الحاضر .
في النهاية هناك الغرباء الاعداء المتربصون بالبلد الكبير ، يسعون منذ الازل لمحوه واحتلاله وتفكيكه ، وهناك لهذا البلد سفينة تمثل لهم رمزا للصمود والبقاء ، فكيف انتهى حالها ؟ ،الكل يراها تغرق امامهم بالتدريج .
أحداث الرواية تمر عبر حكايتين متوازيتين مختلفتين في كل شيء تنثران دلالاتهما على ارصفة وعي القارئ وهو وحده القادر على لملمتها من صفحات الكتاب ومن احرف الكلام ، وحده المعنيُ بتجميعها لتشكل في وعيه ما يسمى ادراكا للحاضر من وحي الماضي .