لدى خروجى من المدرسة كانت هناك عربة نقل كبيرة، يرص العمال فيها حزم القصب اللامع، العيدان الحمراء خرجت من الحقل لتوها بكل بهائها ورائحتها الذكية وضفائرها الخضراء الطويلة، تحلق الغلمان حولها يريدون اختطاف بعض الجذور، ثمة عامل وقف خصيصا كالسجان يهشم بزعزوعة فى يده.
اقتربت منه وقلت لهم:
- عيب، أنتم تلامذه مش لصوص.
انصرف معظمهم، فابتسم الرجل وأعطانى الزعزوعة قائلا لى:
ـ لو سمحت اقف مكانى، عشان أحمل مع الأنفار.
زجرت من يراودهم الأمل، خلا المكان فى دقائق، اكتمل الحمل وأوثق بالحبال، العربة تتمايل كأنها تود أن تتذوق ماء السكر مثل الغلمان.
جاء الرجل الذى عيننى، شكرنى بحرارة ثم ركب مختفيا مع زملائه وسط الحزم، احتكت أطراف الأعواد بى فى دلال، امتدت يدى لتلوى أحدها وتنتزعه فأصدر صوتا كالطلقة، الرجل الذى شكرنى انحنى لتسقط عيناه فى عينى فتسحرهما إلى حجرين!، أراد أن يفتح فمه ليسبنى، انتظرت أن ينتقى شتائم نابية تريحنى، ظل متأهبا بينما العربة تسير كالسلحفاة.ظهر باقى الأنفار بجواره ليساعدوه، نحاهم بشدة، أخيرا ابتلع الكلمات التى خمنتها وبصق، ثم غاص ثانية.