"عِد الخطاوى بصبر.. فى طريق مالوش آخر .. واحجز لروحك قبر.. بضريح رخام فاخر.. وقولى كسبان إيه.. أو قولى ليه مسافر" كانت هذه آخر كلمات الشاعر الراحل إبراهيم الشيخ، والتى جاءت فى بداية ديوانه "قصة قصيرة جدا" الصادر عن دار تشكيل للنشر والتوزيع فى 140 صفحة.
هى فعلا قصة قصيرة جدا رسمت ملامحها أبيات من الشعر تمكن من كتابتها شاعر موهوب قرر أن ينقل مشاعره ما بين الاغتراب والحب والثورة والوداع، بلمسات لطيفة يداعب الكلمات ويخاطب النفس بألفاظ بسيطة تعزف موسيقاها على أوتار القلوب، قدم لنا تجربة حياتية كاملة ومراحل مختلفة تمر علينا ولا ندرك معانيها إلا أنه تمكن من قراءتها وتوصل لرسم صورة أخيرة للواقع ولحظة رحيله من هذا العالم كما لو كان يعلم مسبقا، حتى أنه اختار شاهد قبره فى أحد قصائده، فإنه رثى نفسه على الورق قبل أن يذهب تاركا لنا ديوانه الأول والأخير.
يفتح لنا إبراهيم صندوق كامل من الذكريات، فيتحدث عن وجع القلب ومحاولة النسيان وعن روح عجوزة لشاب صغير ذاق الكثير واغترب دائما فى رحلة سفر، عبر عنها قائلا: (كان فى ولد/ مالوش بلد/غير كعب رجله وفرشته/ولا حد ونس وحدته/غيرى أنا/ ولا حد يسمع شكوته/ غير ربنا/ قادر يفرج بلوته/ وحشتنى رنة ضحكته/ وقت الهنا/ وحشتنى قلبة سحنته/ فى العكننة/ وحشتنى عوجة شفته/ فى الابتسامة).
ويتشارك معنا الشاعر يوم عيد ميلاده منتظرا كلمات أصدقائه الرقيقة ومن سيتذكر موعد مجيئه للحياة، فيما يصف الدنيا بسوق الكانتو الذى لا يوجد بها شىء جديد لم يلمسه أحد قبله، وأنها لا تدوم لأحد.
ومن حالة اغترابه ووصفه للحياة ينتقل للحب بالنسبة له فيعبر بشعره عن الكثير من المشاعر المتدفقة، والتى يملأها الشجن والشوق والحنين لحبيب ذهب ولم يتبق منه إلا ذكرى تؤرقه كثيرا ولا يتمكن من نسيانها حتى إنه قال فى أحد قصائده تحت عنوان "لو أقدر أتوب" (حبه رغم الظروف/ رغم إنه ما يتحب/ رغم الألم والخوف/ راضى بحكم القلب/ هى الجراح سكتى،/ ووجهتى قلبها/ لو هى دى آخرتى/ هموت وأنا بحبها).
كم كانت دقات قلبه متسارعة وأنامله تتلهف الكتابة وهو يتحدث بروح ثائرة متحمسة عن ثورة 25 يناير، وعن العساكر الذين ماتوا على الحدود، وينادى بالحرية ويتحدث عن الانتخابات الرئاسية، معبرا عن مرحلة مهمة من حياة المصريين بداية من المشاركة فى الاحتشاد والهتاف وعرض المطالب لمراحل كثيرة انتقالية وأوقات فاصلة يتخللها تولى حكم البلاد وامتلاء المعتقلات بالشباب، ويتنقل بين فكرة وأخرى معبرا عن وجع العرب كلهم وليس فقط وطنه، متحدثا عن تحرير الأقصى ومشاعر الخسارة ما بين الدمعة والإحباط.
وفى ختام الديوان يكتب "إبراهيم" عن الشعر أصل الحكاية ومبتدى الأفعال، بعد تجربته المميزة وديوانه المتفرد الذى جاء فى إطار إحياء ذكراه من جانب أهله الذين ودعوه بكلمات منثورة وشعرية تعبيرا عن آلام فراقه فى أولى صفحات الديوان.