شعراء ونقاد: "مساكين يعملون فى البحر" صوت متميز فى مسار الشعرية المصرية

ناقش منتدى المستقبل، أمس الثلاثاء، ديوان "مساكين يعملون فى البحر" للشاعر عبد الرحمن مقلد الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بحضور نخبة من الكتاب والشعراء والمثقفين، على رأسهم الكاتب الكبير يحيى مختار والشاعر أشرف يوسف والروائى الليبى أحمد الفيتورى، ومن تقديم الشاعر على عطا. وقدم الشاعر محمود قرنى، قراءة موازية للنص الشعرى بعنوان "حديقة المثالية لا زالت تورق شعرا عن مساكين عبد الرحمن مقلد"، بدأها برفض ما سماه "الترداد الببغائى" لتعبير صحفى يقول "إن ديوان مساكين يعملون فى البحر" انحياز للبسطاء، مؤكدا أنه حيث طالعه تململ خوفا على شاعره الموهوب عبد الرحمن مقلد. وقال محمود قرنى "ربما كان الديوان وفيا لبعض مما حمله تعبير كهذا (الانحياز للبسطاء) لكن وفاءه هذا لا يعنى تحويله، بالضرورة، إلى إجابة على سؤال غير شعرى بالأساس، وإن شئنا فمثل هذا السؤال يستعيد محنة مجتمعية لا يجب على شاعرها أن يتمنطق فيها بمنطق السياسى، ولا أن يذهب فريسة لجماهير من القساة يصفهم الشاعر نفسه فى قصيدته "يعملون فى البحر" بأنهم " لا يجرحون بديهتهم بالسؤال/ ولا يخمدون على الرمل فى الليل / يكتشفون المآل .. ".وتابع صاحب "تفضل هنا مبغى الشعراء": "التقدير هنا أن شاعر "مساكين يعملون فى البحر" ينطوى على تجربة أكبر من اختصارها فى كونها مرافعة عصماء عن مساكينه، وقبل حوالى مائة عام وصف أحد النقاد ملحمة ملتون "الفردوس المفقود" بأنها عار الشعر وأن أسوأ جنرال فى إنجلترا يستطيع صناعة نبيذ أشهى وأعذب من تلك الملحمة، كان دافع ذلك النائب البريطانى المرموق وقتئذ أن ميلتون اختار أن يكون نبيا بدلا من أن يكون شاعرا، ونحن كبشر فانين سنصدق الشعراء ليس أكثر. وحسب "قرنى" فإن "مقلد" فى ديوانه " مساكين يعملون فى البحر " شاعر بامتياز، شاعر يصدر عن وعى بالموقف الجمالى لنصه الشعرى، يتبدى ذلك فى معالجاته اللغوية والمضمونية وموقفه من تطور النص التفعيلى فى عمومه، ولابد أن قارئ مقلد سيتوقف أمام تلك البساطة البادية فى آداءاته اللغوية التى تعكس وعيا خاصا بحدود التركيب وأسقف التأويل والتأويل المفرط اللذان أثقلا الذاكرة الشعرية بمعاظلات لم يكن الشعر فى حاجة إليها. وأكمل شاعر "لعنات مشرقية" "أظن أن ذلك الوعى يرتبط بانحياز جامح لما يمكن تسميته بالشعرية المحضة، وهو هنا يتخلص بضربة واحدة من تراثات مؤثرة فى تاريخ النص التفعيلى، وربما استفاد فى ذلك من تنظيرات عدة حول وعى الشاعر الجديد لا سيما أن قناعات مقلد هنا تمثل جزءا من قناعات قصيدة النثر بدور اللغة فى استيلاد الشعرية، وهى فى الإجمال تصورات رفضت العمل تحت وطأة القناعة التاريخية بأن الشعر جزء من نظرية اللغة، ووضعته على المحك مع العديد من العناصر الجمالية بما فيها علم المنطق نفسه "أقصد علم البرهان" باعتباره أحد نقائض نظرية الشعر. وهذا يعنى أن "مقلد"، والحديث لمحمود قرنى، "تمرد على تراكمات وأجيال شتى، وكان عليه بالضرورة أن يكتشف شعريته ضمن عناصر متباينة لا تعتمد على الوعى الفطرى فحسب بل هى لا تخلو من روافد شديدة التأثير يأتى الواقع وصراعاته المحمومة على رأسها، وهنا يتبلور فى وعى "مقلد" بالدور الوظيفى للغة أو دورها الأدائى ما يعنى الخفض من سقف تأثيراتها والبحث عن الشعرية ضمن عناصر أخري، ربما تبدت فى حركة التاريخ والأساطير والمقدس والكائنات التى شكلت جانبا كبيرا من الوعى الجمالى لتلك الشعرية. وانتقد محمود قرنى عددًا من قصائد الديوان، وأكد أنها "تظل موضع تساؤل"، فقصائد الأسماء عموما تحتاج لإعادة نظر إزاء وعيها الشعرى الذى بدا كأنه استنامة لفكرة المآثر التى سادت الشعر العربى فى باب المديح، تستوى فى ذلك قصائد فاتن حمامة، محمود سباق، ومحمود درويش. وتمنى "قرنى" لو أن الشاعر اختار لقصيدته عن محمود درويش عنوانا آخر سوى ذلك العنوان " أثر العابر " الذى هو فى الأصل عنوان مختارات شعرية صدرت قبل عدة سنوات للشاعر الأردنى أمجد ناصر، لافتا ألى انه كقارئ لم يسترح كثيرا لمفردة العابر أمام قيمة شعرية كمحمود درويش، فقد نعت بها غيره من أوشاب الحضارة الإنسانية، أقصد وصفة للصهيونية فى قصيدته الإشكالية " عابرون فى كلام عابر ". وتوقف "قرنى" فى مآخذه على "مساكين يعملون فى البحر" على بعض التخييل "المفرط فى اعتياديته" عندما يكرر الشاعر، فى أكثر من موضع ربطه التعب "الإجهاد" بتعب القلب والرئتين على ما فى ذلك من تقريرية وبداهة تناقض فكرة الانحراف التى استعملها الفلاسفة المسلمون تحت مسمى التغييرات، أى الانحراف عن مألوف اللغة ومن ثم مألوف الدلالة كما يقول ابن رشد، هذا بالإضافة للإشارة إلى فداحة الطلب الذى يفارق موضوعه الشعرى فى قصيدة "خراب يملأ العين" صـ 149 " اتبعونى لنبنى شيوعية للأحبة "، مذكرًا الشاعر بأن أحد أكبر بنَّائى الشيوعية " فرديدرك انجلز" هو القائل: "لا يفترض فى الكاتب أن يعطى القاريء حلا تاريخيا للصراع الاجتماعى الذى يصوره ". واختتم "قرنى" قراءته بإشادة بالديوان قال فيها "لقد استمتعت حقا بشذى تلك الباقة التى منَّتْ بها علينا حدائق الشاعر عبد الرحمن مقلد، لكن هذا لا يمنعنى من أن أقول له، فى المرة القادمة سننتظر منك أن تطلق علينا نفايات المدينة إلى جانب زنابقها، فعجينة الخبث مثلها مثل سبيكة الذهب فى يد الشاعر الذى هو أنت". وقدم الشاعر والأكاديمى أحمد بلبولة مقاربةً نقديةً سماها "مساكين مقلد الذين يعملون فى البحر"، بادئا بأن هذا الديوان حين يقرؤه الناقد يشعر أن أى كلام يقال لا معنى له، باختصار هذا الديوان يقدم نفسه بنفسه، وليس على الناقد من دور أمام جماله إلا أن يدل قارئه عليه، مؤكدا أن ديوان عبد الرحمن مقلد أفضل ما قرأ من شعر الشباب فيما بعد ثورة 25 يناير. وقال "بلبولة" إن مقلد وجيله محمود سباق وشريف أمين يمثلون طليعة هذا الجيل، لأنهم ورغم الإغراءات الكبرى التى يتعرض لها جيلهم والضغوط التى تمارسها جوائز النفط، والتى أوجدت فى الساحة الشعرية ما يعرف بقصيدة الذائقة الموحدة، لا يزالون يخطون بهذا الفن خطوة تليق به وبتاريخه. وأشار شاعر "طريق الآلهة" إلى أن "مقلد" نأى بشاعريته عن الإيقاعية المحفلية للقصيدة، إلى الإيقاعية الخافتة فلا يكاد قارئه يدرك أن قصائده موزونة، لأن التفعلية لديه تائهة فى الجملة الكتلة، فالوزن العروضى عن "مقلد" يتعرض لإنهاك شديد، لا يكاد يسمع له صوت، مؤكدا أن مقلد يفعل ذلك انتصارا للعقل، انتصارا للمعنى الذى يريد أن يحافظ عليه سليما دون التبدد فى شغل الفراغات التى تتطلبها تفاعيل الوزن. وبين "بلبولة" أن "مقلد" ينتصر للحاسة البصرية، حيث يرى أن هذه الحاسة تعانى الآن من التشتت ما يجعلها معطلة، فالعالم الآن يعيش حالة من العمار، أو أنه يوشك أن يفقد بصره. ورأى أستاذ الأدب فى دار العلوم أن "شحذ الحاسة البصرية هو الأفق الكبير الذى تتحرك عليه قصائد هذا الديوان، والعقيدة الراسخة فيه هى ضرورة استعادة هذه الحاشة بعدما صارت تائهة ومنهكة. الناقد الدكتور يسرى عبدالله بدأ قراءته بالتأكيد على أن ديوان مساكين يعملون فى البحر "يمتح من معين إنسانى لا ينضب، حيث يحيل التصدير إلى مصادر شتى: القرآن الكريم/ التراث الصوفى/ والنص الغربى المعاصر شعرا وسردا" ريتسوس/ وجورج ديهامل وروايته "اعترفات منتصف الليل". وبين يسرى عبد الله أن "مقلد" ينطلق من شعرية تستلهم إرث البلاغة الكلاسيكي، يبدو التوظيف الدال للمجاز، واعتماد تكنيكات بلاغية من قبيل أسلوب الالتفات البلاغى كما فى قصيدة " مثل فلاسفة قدماء". وتابع أستاذ النقد الأدبى: "يبدو العنوان مفصحا عن المدلول الشعرى فى " انا مثلكم أتألم"، فتتعاطف الذات الشاعرة مع المآسى الإنسانية المختلفة، وتظلل رؤيا الصراع قصيدتي: "الدم" و"عدوان"، وربما يكشف العنوان فيهما عن ذلك إلى حد ما، ففى " الدم" تصبح رؤيا الصراع / القتل التى ظللت البشرية منذ قابيل هابيل أساسا للرؤية الشعرية، والقصيدة موزعة إلى صوتين متداخلين ومتجادلين فى آن". وحسب "عبد الله" تعد قصيدة" ثلاث وعشرون قاطرة" من اعذب قصائد الديوان ومن نصوصه المركزية أيضا، وتحتل كميا مساحة أكبر نسبيا من النصوص الاخرى على مستوى المتن الشعري/ وتتسم بالتدفق الشعري، فضلا عن قدر من التجديد على المستويين التقنى والرؤيوي. وفى الآخر، يعد ديوان "مساكين يعملون فى البحر" للشاعر الموهوب عبدالرحمن مقلد تعبيرا عن صوت متميز فى مسار الشعرية المصرية الراهنة خاصة فى سعيه صوب احتفاء أشد بالجمالي، ومن ثم بدا ديوانه الثانى أكثر نضجا وجمالية من ديوانه الأول" نشيد للحفاظ على البطء"، وبما يعنى أننا أمام شاعر حقيقى يدرك أن التراكم النوعى لا بد أن يصحب تجربة الشعر، وتجربة مقلد فى ظنى مفتوحة على تحولات قادمة ستكون اكثر غنى وجسارة تدشنه بوصفه واحدا من شعرائنا المهمين فى السنوات القادمة.




































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;