"لا تزال البنية الأساسية للأنثروبولوجيا تتشكل من خلال عدسة الماضى، إذ بالرغم من عدم تجاهل علماء الأنثروبولوجيا التام لمختلف الأساليب التى واجهت بها الإنسانية المستقبل وتوقعته كأفق إنسانى؟، فإن تلك اللحظات والرؤى لم تتجمع وتتبلور بعد فى وجهة نظر عامة عن البشر باعتبارهم صناع المستقبل".. من هذه الزاوية ينطلق كتاب "المستقبل واقعا ثقافيا.. مقلات عن الظرف الكونى" لـ جون أيادوراى ترجمة طلعت الشايب.
نستطيع أن نقول الشىء نفسه عن الثقافة التى ينظر إليها منظروها والمعنيون بها بعدسة الماضى كذلك، كموروثات وآثار وبقايا وذاكرة تاريخية، حتى وإن اعتبروها فى الوقت نفسه نسيجا للتفاهمات اليومية ومنتجا للفنون والآداب ومختلف أشكال التعبير الإنسانى.
ويرى مؤلف الكتاب، وهو واحد من أبرز علماء الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع الثقافى ضرورة ملحة لأن تكون المستقبلية وليس الماضوية فى الصميم من اهتمام الأنثروبولوجيا الثقافية أو "أنثرويولوجيا المستقبل"، فالمستقبل الأفضل الذى ينشده البشر، وفقراء العالم والمجتمعات العشوائية فى المدن الكبرى بخاصة، ممن دهستهم أفيال العولمة والرأسمالية الحديثة، لن يتحقق من خلال استحضاره كواقع ثقافى، يشارك أصحاب المصلحة الحقيقة، ضحايا الأسواق والتسليع والعنف، فى تصوره وإعمال خيالهم وتنمية قدراتهم على الطموح الذى هو جزء أساسى من المستقبل باعتباره واقعا ثقافيا.
ويتحدث المؤلف، عن كتابه الأول والذى جاء بعنوان "الحداثة على اتساعها: الأبعاد الثقافية للعولمة"، والذى يأتى هذا الكتاب استكمالا له، بحيث يهدف إلى التفكير الأنثروبولجى بشأن العالم الذى ظهر بعد سقوط جدار برلين فى العام 1989 فيروى كيف أتيحت له فرصة التعلم من نقاد كتابه السابق، الذين وجدوا كتابه احتفاليا أكثر من اللازم، وربما مقصرا فى تناوله للعالم الجديد، عالم الحدود المفتوحة والأسواق الحرة والديمقراطيات الوليدة التى كان يبدو أنها دخلت التاريخ العالمى، وفيما يبدو تكفيرا عن ذلك القصور، أصدر كتابا مختصرا يعنوان "الخشية من الأعداد الصغيرة" لاستكشاف لماذا تمخضت عولمة أواخر الثمانينات المنتصرة عن حركات إبادة عرقية كبيرة فى التسعينات، وخروب حضارية رئيسية بما فى ذلك الحرب على الإسلام، فى العقد الأول من القرن العشرين، يوضح كيف أنه فى هذا الكتاب حاول استكمال اهتمامه بالتدفقات العالمية مع التركيز على الارتجاجات والتخوم والثقوب السوداء وكلها تمثل النظام العالمى الجديد.
ويستطرد المؤلف: مثل معظم أقرانى، فإن هذا النوع من الجهد التشخيصى يدفعنى للتفكير فى أمرين، الأول هو ما إذا كانت العولمة قد تغير شكلها وقوتها أو صيغتها على نحو واضح فى الفترة التى تزيد عن عقدين منذ سقوط جدار برلين، وعى الفترة التى يمكن اعتبارها عصر العولمة فى أوجها، الأمر الثانى يتعلق بعدساتنا العلمية والنقدية ونظرتنا إلى تلك الانحيازات التى تجعلنا نعطى أهمية أكبر لبعض جوانب إنسانيتنا.
المؤلف ارجوان ابادوارى، مواليد بومباى بالهند 1949، انتخب زميلا للأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم، عمل مستشارا وخبيرا لدى عدد كبير من المؤسسات العامة والخاصة، من بينها مؤسسات فورد، روكفلر، ماك آرثر، اليونسكو والبنك الدولى، وله عدد كبير من الأعمال المنشورة.
وطلعت الشايب، كاتب ومترجم مصرى، له عدد كبير من الأعمال المترجمة نذكر منها: (فكرة الاضمحلال فى التاريخ الغربى)، (العقيدة العسكرية دليل مرجعى)، (الأبيض المتوسط ليس كمثله بحر)/ و(هل ما زالت أوروبا مهمة).