عادة ما نسمع عن حكايات زوجة الكاتب، التى لا تحب تكدس الكتب، وتعتبرها بمثابة زوجة أخرى، لكننا لم نقترب بالدرجة الكافية لنعرف كيف يواجه هؤلاء الكتاب أزمة توسع المكتبات فى منازلهم، ولم نعرف كيف قاموا بتكوين هذه المكتبات؟، هل انتقلوا بما كان لديهم من كتب قبل الزواج إلى "شقة الزوجية"؟، ولم نعرف أيضًا ماذا يفعل الكتاب المتنقلون من بلد وآخر، أو القادمون من محافظات أخرى إلى القاهرة، فى مكتباتهم؟.
فى البداية قال الكاتب وحيد الطويلة: أنا رجل "صايع" لا أملك مكتبة، أتنقل فى العشر سنوات الأخيرة من بلد إلى آخر، فى كل مكان أترك كتبى، نهبًا للرعيان، أو أمنحها لمن أحب، أحتفظ فقط بعناوين قليلة.
ويضيف "الطويلة": فى الحقيقة إننى لا أرى مبررًا لأن تبقى لى مكتبة بعد موتى، لأن يرميها أو الورثة، على أقرب قارعة، أو يهملونها إلى الحد الذى تغادرها رائحتى، زوجتى القارئة هى من تملك المكتبة، أنا أقرأ معها، هى المفتونة بالكتب والمكتبات، هى تقرأ أكثر من الروائيين أنفسهم، ربما تكون القارئة الأولى فى العالم العربى، نصف عمرى فى المقاهى، أقرأ وأكتب، أحيانًا أترك الكتب لمن يقرؤون داخل المقهى، ليستمتعوا بها، ليغيروا ذائقتهم، أفتح لهم بابًا آخر، أولاد الكتاب فى الغالب لا يقرؤون، الشعب كله لا يقرأ، لا أريد شواهد قبور كثيرة، يكفى أن ترسم ابنتى أغلفتى على قبرى.
ويتابع وحيد الطويلة: الكتب تزاحمنا فى البيت، أو فى بيوتنا الضيقة، أتذكر دائمًا صديقى الشاعر الكبير الذى يشترى كتبًا جديدة أو يشترى كتبًا موجودة عنده، لأنه لم يعد يستطيع الوصول إليها، أو لأنه يريد أن يستأذن الموت سنوات إضافية كى يقرأ هذه الكتب. الكتب لم تشف جروحنا، لعلها تؤخر الموت يومًا.
أما الكاتب والصحفى شريف صالح، والمقيم فى دولة الكويت، فقال: كنا أسرة ريفية لا تعرف "المكتبة" لكن فى دكان أبى وبسبب شراء الورق للتغليف عثرت على كتب مختلفة وبدأت قراءتها.. كما عثرت فى بيت عمتى على نسخة من دون غلاف من "ألف ليلة وليلة". ومع المرحلة الثانوية بدأت تكوين مكتبة، فأخذت من أمى "النملية" المخصصة لتخزين الطعام وأعدت طلاءها وتصميمها لتصبح أول مكتبة لى.
ويضيف شريف صالح: مع حياة العزوبية تنقلت الكتب معى ما بين عين شمس والهرم وفيصل.. ومع كل انتقال فقدت العديد منها واضطررت لشراء نفس الكتب أكثر من مرة.. أيامها كنت صديقًا لسور الأزبكية "القديم" وأنفق كل ما يتوفر معى على شراء الكتب.
ويضيف صاحب "حارس الفيس بوك": بعد سفرى للكويت فقدت الكثير من الأوراق واليوميات، التى كنت أحتفظ بها وكمية كبيرة من الكتب.. ولأن الشقة هنا لا تتحمل الفوضى مثل السكن فى مصر وبفرمان من زوجتى تم تحديد المكتبة بطول الممر بين الغرف، وهى عبارة عن ثلاث قطع متجاورة لا تتسع سوى لحوالى 500 كتاب فقط، ولأنها كاملة العدد، اضطررت لتخزين حوالى ألف كتاب فى مكتبتى بالعمل.
ويقول "صالح": ولأنه لم يعد هناك متسعًا للمزيد توقفت منذ ثلاث سنوات عن شراء الكتب، إلا فى حالات نادرة، ومع ذلك يصلنى يوميًا من زملاء وأصدقاء أو جهات نشر كتاب جديد إما مطبوعًا أو إلكترونيًا، وأحاول من حين لآخر إهداء ما قرأته ولا أشعر بضرورة الاحتفاظ به.
ويرى شريف صالح: أن المكتبة الإلكترونية حلت مشكلة التكدس جزئيًا، فلدى مثلاً حوالى ألف فيلم على "الهارد" وخمسة آلاف كتاب، ولا أظن أن الشقة تتسع لمثل ذلك. تبقى المشكلة الأخرى أن مشاهدة فيلم على الكمبيوتر لا تقارن بمتعة مشاهدته فى السينما، وكذلك قراءة كتاب إلكترونى لا تزيد عن كونها مجرد تصفح ولا تقارن بحميمية الكتاب الورقى.
أما الكاتب إبراهيم فرغلى، والمقيم فى الكويت أيضًا، فيقول: عندى أزمة كبيرة، وهى أننى أتنقل كثيرًا من مكان إلى آخر، وعادة ما تكون كتبى ضحية النقل فى السفر، ودائمًا ما أقوم بتخزين الكتب قبل كل سفر وينتهى الأمر بها إلى حيث لا يعلم إلا الله، وحتى بعد الزواج كان البيت صغيرًا فخزنت الكتب فى منزل والدة زوجتى وهكذا، وفى كل الأحوال لم يوجد لدى مساحة أبدًا تسمح بعمل مكتبة محترمة فتتكدس الكتب على الجدران حتى يأتى قدرها على يد زوجتى غالبًا، واليوم تقريبًا لم أعد أحلم بمكتبة ضخمة، كما كنت أحلم دائما لأننى لا أعتقد أنه سوف يتاح لى ذلك أبدا، اشتريت من الكتب التى أحب نسخًا عديدة وأفقدها كالعادة وأصبح سعر الكتب لا يصدق، ومع الكتب الإلكترونية أفكار المرء تتغير وربما يكون لى مكتبة صغيرة يوما.
أما الشاعر والزميل الصحفى عبد الرحمن مقلد، فقال: أول مكتبة أنشأتها صنعتها بنفسى.. بعدما حاصرتنى الكتب وأنا فى السنة الثانية بالجامعة أثناء إجازة آخر العام اتفقت مع "المعلم" الذى كنت أعمل فى ورشته نجارًا بدمياط على أن أعمل نصف يومية إضافية مقابل أن يسمح لى باستخدام ألواح قليلة من الخشب وفرخ أبلكاش لصنع مكتبة، وبالفعل حدث هذا عملت نصف يومية فى "صروخة عدد من القواعد"، ثم حصلت على لوحى خشب بياض وفرخ أبلكاش وقطعتها، وصنعت هيكل المكتبة، ثم ذهبت إلى المكبس الحرارى وكبستها، وحملتها زاهيًا على دراجتى الهوائية وعدت للبيت، وجمعتها بالمسامير، وركبت الأرفف.. ودهنتها بنفسى. وتحملت هذه المكتبة الأعوام الطويلة حتى أتلفها الصبية، وهى الآن تنتظر من ينقذها على سطح منزل الأسرة فى دمياط، بعدما صنع لى ابن عمى مكتبة عظيمة وفريدة ولم أتكلف سوى 10 جنيهات أجرة "العربجى" الذى حملها على عربته الكارو حتى المنزل.. هذه فائدة أن تكون شاعرًا ونجارًا دمياطيًا فى ذات الوقت.
موقف آخر يرويه باسم شرف، حيث يقول: بطبيعتى أنا شخص متنقل، لدى شقة فى فيصل، تحولت مع الوقت إلى مكتبة، بين حين وآخر، أقوم بنقل الكتب إليها بعد قراءتها، حتى أصبحت هذه الشقة بمثابة مكتبة عامة مصغرة، وبالطبع لا أسمح بدخول أى أحد من الأصدقاء إليها، حتى حينما تكون بحاجة إلى التنظيف، أقوم بذلك بنفسى.
ويضيف باسم شرف: وبما أننى شخص متنقل، فلدى مكتبة صغيرة، تتنقل معى من كل شقة انتقل إليها، تضم الكتب، التى أقرأها، وبعد الانتهاء منها أقوم بوضعها فى مكتبة شقة فصيل.
أما الكاتب هشام أصلان، فيقول: كونت مكتبتى الخاصة بعد الزواج، وكانت مكتبة صغيرة، وقبل وفاة والده الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، انتقل للسكن فى شقة الجديدة، وفى ذلك الوقت كان قد قام بجمع مكتبة – والده - فى كراتين، وما زالت حتى اليوم بداخلها تنتظر خروجها.
وبالعودة إلى مكتبه هو، يقول هشام أصلان: مع الوقت تزايد عدد الكتب، فقمت باستغلال "كنبة" فى غرفة الأطفال، كنت أضع الكتب عليها، فشكلت مكتبة صغيرة ولكنها ملفتة للنظر، ومع تزايد الكتب عنده قام باستخدام «كنبة» فى غرفة الأطفال، لوضع الكتب عليها، وهنا قامت زوجته بعمل مكتبة صغيرة إضافية وضعتها فى الصالة، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف المكتبة عن التوسع، بل زادت وأخذت فى الانتشار فى كل مكان، فأصبح الأمر وكأن زوجته تلاحق كتبه المتزايدة، على أن ينتقل إلى شقة أكبر تسع لأن يكون بها مكتبة كبيرة.
أما الكاتب والزميل الصحفي، سامح فايز، فيقول: كثيرًا ما تسبب ازدياد عدد الكتب فى أزمة مع والدتى قبل الزواج، وبعده رفضت زوجتى نقل المكتبة من شقة والدتى إلى شقتنا، التى تقع فى نفس العمارة، بسبب عدم وجود مكان لها، مفضلة "النيش" عليها، وظلت المكتبة عند والدتى لمدة عام.
ويضيف سامح فايز: بعد مرور عام اقتنعت زوجتى بأن لا فائدة من "النيش" فقامت بجمعه، وهنا قمت باستغلال مكانه لوضع الكتب، إلا أن المكان لم يكن كافيًا، فقمت بإخلاء غرفة فى الشقة، وبتحويلها إلى مكتبة كبيرة مستغلاً كافة الحوائط فى الغرفة، ومازلت حتى اليوم تتزايد أعداد الكتب، ولا أجد حلاً إلا فى اختيار الكتب التى انتهيت منها ووضعها فى "كراتين".