تمر اليوم ذكرى وصول جيش طارق بن زياد وجيشه إلى الأندلس لخوض حرب شهيرة مع لزريق انتهت بدخول الإسلام ونشوء دولة استمرت 8 قرون، لكن بعض المؤرخين يشككون فى الخطبة التى ألقاها طارق بين جنوده وكذلك ما يتعلق بحرق سفنه.
حرق السفن
الروايات الإسلامية التى تشير إلى حادثة حرق السفن لم ترد إلا فى ثلاثة مراجع أحدها: كتاب الاكتفاء لابن الكردبوس، و الثانى: كتاب نزهة المشتاق للشريف الإدريسى، والثالث: كتاب الروض المعطار للحميرى.
فابن الكردبوس بعد أن يصف المعركة التى خاضها طارق لاحتلال هذا الجبل الذى سمى باسمه، يقول فى اختصار شديد: "ثم رحل طارق إلى قرطبة بعد أن أحرق المراكب وقال لأصحابه: قاتلوا أو موتوا"، الاكتفاء لابن الكردبوس.
أما الإدريسى فإنه يقول فى شىء من التفصيل "إنما سمى بجبل طارق لأنه طارق بن عبد الله بن ونمو الزناتى، لما جاز بمن معه من البربر وتحصنوا بهذا الجبل، أحس فى نفسه أن العرب لا تثق به، فأراد أن يزيح ذلك عنه، فأمر بإحراق المراكب التى جاوز بها فتبرأ بذلك عما اتهم به.
ويكرر صاحب الروض المعطار رواية الإدريسى مع اختلاف بسيط و لكنه مهم، فيقول (إنما سمى بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله لما جاوز بالبربر الذين معه، تحصن بهذا الجبل، وقدر أن العرب لا ينزلونه، فأراد أن ينفى عن نفسه التهمة فأمر بإحراق المراكب التى جاز فيها، فتبرأ بذلك مما اتهم به).
الخطبة
أورد ابن خلكان فى وفيات الأعيان والمقرى التلمسانى فى نفح الطيب أنه لما اقترب جيش لُذريق من الجيش الإسلامى، قام طارق بن زياد فى أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حثَّ المسلمين على الجهاد ورغَّبَهم فيه، ثم قال: "أيها الناس، أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، فليس لكم والله! إلاَّ الصدق والصبر، واعلموا أنكم فى هذه الجزيرة أضْيَعُ من الأيتام فى مآدب اللئام، وقد استقبلتُم عدوَّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُه موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم غير سيوفكم، ولا أقوات لكم إلاَّ ما تستخلصونه من أيدى أعدائكم، وإن امتدَّت بكم الأيام على افتقاركم، ولم تُنجزوا لكم أمرًا، ذهبت ريحكم، وتعوَّضت القلوبُ من رعبها منكم الجراءةَ عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقته إليكم مدينَتُه المحصَّنة، وإنَّ انتهاز الفرصة فيه لممكن لكم إن سمحتم بأنفسكم للموت، وإنى لم أُحَذِّركم أمرًا أنا عنه بنَجْوَة، ولا حملتُكم على خُطَّة أرخصُ متاعٍ فيها النفوسُ إلاَّ وأنا أبدأ بنفسى، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفة الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسى، فيما حَظُّكم فيه أوفر من حَظِّى، وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحورِ الحسان من بنات اليونان الرافلات فى الدُّرِّ والمَرْجَان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيَان، المقصورات فى قصور الملوك ذوى التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عُرْبانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا وأختانًا، ثقةً منه بارتياحِكم للطِّعَان، واستماحِكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حَظُّه معكم ثوابَ الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، ويكون مغنمها خالصًا لكم من دونه ومن دون المسلمين سواكم، والله تعالى ولى إنجادكم على ما يكون لكم ذِكْرًا فى الدارين، واعلموا أنِّى أول مجيب إلى ما دعوتُكم إليه، وأنِّى عند ملتقى الجمعين حامل بنفسى على طاغية قومه لُذَرِيق فقاتِلُه، إن شاء الله تعالى، فاحملوا معى، فإنْ هلكتُ بعده فقد كَفَيْتُكم أمره، ولن يُعوزكم بطل عاقل تسندون أمركم إليه، وإن هلكتُ قبل وصولى إليه فاخلفونى فى عزيمتى هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يُخْذلون".
الرد على الخطبة والحرق
فى العام الماضى أثار الأستاذ الجامعى الدكتور عبد اللطيف أكنوش، مسألة تاريخية "مستفزة" تتعلق بشخصية القائد العسكرى "طارق بن زياد"، مشككا فى صحة خطبته الشهيرة التى قال فيها "أيها الناس، أين المفر؟، البحر من ورائكم والعدو من أمامكم".
وأورد أكنوش أنه تراءى له أن يسأل عن "الفارس البطل الذى فتح الأندلس، وقام "بنشر الإسلام" فى هذا البلد الأوروبى خلال القرن الثامن الميلادى"، مضيفا أنه بتمعن "الخطبة" الشهيرة التى تعرف باسم "بطلنا البربرى"، وجدتموها مطبوعة بالحماس والتجييش وإيقاظ الهمم".
وأردف الباحث أن "هذه الخطبة تبدو عربية قحة لا يشق لها غبار، تذكرنا بلغة على بن أبى طالب، وابن تمام، وقس بن ساعدة، وغيرهم من جهابذة اللغة العربية"، قبل أن يتساءل "متى كان رجل بربرى معجون بتراب بلدنا هذا، جديد العهد بالإسلام وبلغته العربية، قادرا على "نسج" خطبة بهذا المستوى من اللغة، بإيحاءاتها ومفرداتها الغريبة وإعرابها ونحوها".
واستطرد أستاذ العلوم السياسية قائلا "أبناء جيلى من المستعربين غرفنا من العربية منذ نعومة أظفارنا، ونجد أنفسنا عاجزين حتى عن قراءة وفهم "خطبة طارق بن زياد" من القراءة الأولى، فكيف لطارق"، مشككا فى أن يكون لرجل بربرى مغربى أسلم البارحة، اسم عربى هو "طارق"، أو يكون اسم والده "زياد".
وتابع شارحا "أسماء البرابرة آنذاك معروفة لدينا الآن انطلاقا من كتب التاريخ الأجنبية، بل وحتى العربية..نعرف ملوكا سموا "جوبا" و"يوغورتا" و"تيلاكاكين" وغيرها من الأسماء، وما أعرف أن منهم من سمى "طارقا" أو "زيادا" أو غيره" على حد تعبيره.