وهنا اللّيلُ،
منفى الحَيارى ومأوى القلوبِ التَعيسةِ،
تُطعِمنى الذّكرياتُ إليهِ،
ويطعِمُنى الذّكرياتِ كمرثيةٍ لوداعِ السّباتِ،
وأسئلةٍ لا تعانقُ روحى،
وروحى تريدُ التبخرَ صوبَ انحناءِ القمرْ
قلتُ:
ربّى،
أعدّوا إلى فِراشًا من اللّومِ مُشتعلًا،
لسماىَ،
لشعرى،
وقالوا: اعتذرْ،
وتأسّفْ لأنّك أنتَ،
فقلتُ: ولِى فى أزقّةِ ذاكرتى... حانةٌ،
لا تقدّمُ خمرًا يهادنُ كفّ الحَقيقةِ إلَّا لظى الشّعرِ،
أزرعُهُ من طنين السّماء،
وأرويهِ قُدسَ الدّماءِ،
وأحصدهُ كى أرانى فيهِ ويُضْلِلَنى اليأسُ،
لا أتظاهرُ كالطّيفِ،
حينَ يمرُّ فلا أثرٌ لخطاهْ،
غير أنّى أخفّفُ من وطأتى،
حين ألقى الّتى هى لونُ أناىَ وشُريانُ أمنيتى،
وأردّدُ من "ربّما" فيحاصرُنى التّيهُ فى حيرتى،
فى مدى الغدِ بشرى: ستقتُلنا "الربّماتُ".
متى فى رؤى العُمرِ أشهدُ من حُلمنا،
وجَههُ،
صوتَهُ،
لحظةً حينَ تفقأ كلُّ البنادقِ أعيُنَها،
فيرى الجندُ عالمَهم،
من عيُونهمُ،
بل وتلك الحروبُ يؤرّقُها الرّعبُ،
من قريةِ السّلمِ،
من صَرخةِ الطّفلِ،
من دَمعةِ الشّابِ،
والافتراقِ الكئيبِ لروحينِ تحتَ القنابلِ،
والأمِّ لحظةَ قرعِ المُواسى على البابِ،
فى زيّهِ العسكرىّ!
لكنّهُ الحُلم عاصٍ على الحالمينْ
والغدُ الحاضرُ الأمسُ لى لا يراودُ أمنيتى،
فاتّخذتُ الصّدى،
من مواويل أمسى... بساطًا،
لأمضى نحوَ السّماءِ،
فقالوا: انتهيتَ وحانَ الرّحيلُ،
فقلتُ: انتهيتُ وحان الرّحيلُ،
ومنفاىَ إرثى،
وموتى أودّعُهُ حينَ موتى،
وأرثيهِ يومَ الحصادِ الأخيرِ،
وأبقى بظلِّ البصيرةِ...أبقى أناىْ