"مثل فراشة" قصة جديدة لـ رضوى عمر

مثل الفراشة المُغتربة دائمًا لا اقترب بالقدر الكافى، سيقانى لطالما كانت مُهتزة، وكتفاى صغيرتان، فى الماضى كنت أشرب كوب الحليب دفعة واحدة، كنت أقفز على الفراش حتى أكاد ألامس السماء بأصابعى.. كان أبى يلومنى كثيراً وأمى تغضب من مجهودى الزائف النحيل، حين كبرت كنت أذهب يومياً إلى الشاطئ المجاور لبيتنا، لم أكن أرتدى التنانير القصيرة أو الفساتين الخضراء والزرقاء والصفراء، لم أكن أطلق لشعرى العنان مع الأمواج تتقاذفه فيما بينها بحنو، كان كل شىء ينقصه شىء، وكل المشاهد لم تكتمل يوماً. الأيام كانت حارة بشكل جهنمى لا يحتمل، رغم ذلك كل النوافذ فى حارتنا كانت مُحكمة الإغلاق وكأن أصحابها يعاندون الطقس، أو كأنهم رحلوا إلى المريخ دون عودة. أنا لا أعلم إن كانت كتاباتى سيئة أم لا، لا أدرى إن كنتم تدققون النظر فيها أم لا، أنا فقط أكتب، لا أعلم إن كان على فعل شىء آخر سوى الكتابة! أشعر أحياناً بأننى فقدت كل شىء، أشعر بالتعرى والتَكشُف المُريب، أتجول فى الأنحاء، أتفحص النظر فى وجوه المارة وفى أجسادهم المُنهكة، أعينهم تشع رغبات حبيسة فى تلك الأجساد المُترهلة، رغبات فى الكلام وفى الصراخ وفى النحيب، رغبات فى الجنس وفى مداعبة نهود النساء، رغبات محترقة تكاد تلتهم أعينهم وشفاههم وأنوفهم وأعضائهم التناسلية الملتهبة من الخيالات المنسوجة فى آخر كل ليلٍ وحيد. هأنتم هنا، تقرأون سطورى، تفندونى وتقطعون أوصالى، تجيئون بالنص يميناً ويساراً على أمل العثور على شىء جديدٍ، تتركون المعانى وتتشبثون فى الحروف ونقاط الحبر الضائعة، لما لست أتواجد بينكم الآن؟! فى صفوف النقاد والعابثين والمُفندين للتاريخ والسطور؟ منتصف الليل أوشك على المجىء وأنا مازلت هنا، أحرق أوراقاً وأوراقاً، أُلقى ببعضها من النافذة وأُلقى بالآخر فى المدفأة المشتعلة الممتلئة بروائح الحرب الماضية. فى الأمس أخبرت صديقى أننى سأطلب من الله فى الجنة أن يصنع لى بيتاً حوائطه من الموسيقى، وأبوابه ربما تتشكل على هيئة طبول عملاقة أو جيتار لامعاً. فى النهاية أنا لا أضمن أى شىء، لا أعلم إن كان كل ما حكيته لكم قد حدث بالفعل أم لا، ولو كنت على ثقة من أى شىء لما استطعت كتابة هذه الكلمات.. هم الآخرون ينزفون دماً وصراخاً وتأوهات مرعبة، بينما أنا هنا على فراشى المهترء أنزف حكايات وسطوراً، أنزف قصصاً وسطوراً مُقفاة ودوواين لم تنشر يوماً.. أرجع برأسى إلى الوراء وأتذكر طفولتى، أتذكر بيت جدى الكبير ووشاح جدتى الأخضر.. أتذكر كل شىء لم يعد له وجود الآن، فأنا ومن الواضح أنى كبرت .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;