من يكتب التاريخ لمن يقرأون ؟ سؤال يطرحه الباحث الأديب وليد فكرى عبر كتابه "دم الخلفاء.. النهايات الدامية لخلفاء المسلمين"، لعل الكتاب الذى تقرأه كعمل أدبى سلس دقق مؤلفه فى مصادر التاريخ، يكشف لنا عن أن منصب الخلافة عند المسلمين حمل تصورين، أحدهما مثالى متخيل فى ذهن المسلمين، والآخر هو تفاعل دينوى طبيعى، فالخلافة إنما هى نظام حكم للبشر، هنا يرى المؤلف ويغوص بنا عبر صفحات الكتاب من عهد الخلفاء الراشدين إلى عهود أخرى.
وللترشح للخلافة شروط عامة وأخرى خاصة، العام منها بديهى كالكفاءة، حسن السيرة، السلامة البدنية والعقلية، الالتزام السلوكى والدينى.
أما الخاص منها فأربعة شروط هى:
1- البيعة: وهى أن يتولى الخليفة منصبه من خلال البيعة الحرة التى لا يشوبها تدليس ولا إكراه. وقد اختُلِفَ فى ما إذا كانت هذه البيعة تؤخذ من عموم الشعب أو من ممثليهم، أو أنها تقتصر على "أهل الحل والعقد"، وهم الفئة المكونة لدائرة الحكم وصناعة القرار.
2- العمل بالشورى: أى العمل بالاستشارة فى القرارات الهامة تنفيذاً للأمر القرآنى "وشاورهم فى الأمر"، واختلف كذلك فى ما إذا كانت الشورى عامة، أم فى حدود أهل الحل والعقد سالفى الذكر، وفى ما إذا كان مجرد طلب الرأى والاستماع إليه كافياً، أم أن على الخليفة العمل برأى الأغلبية.
3- الحكم بالعدل: وهو عند منظرى السياسة الإسلامية مربط الفرس فى التفرقة بين "الخليفة" الذى يحكم من منطلق التغلب والسيطرة، حتى وإن كان هذا الملك يستخدم لقب الخلافة.
4- قرشية النسب: وهو أكثر تلك الشروط إثارة للجدل، إذ اعتبره البعض شرطاً دائماً غير قابل للإسقاط بحكم القولين المنسوبين للرسول محمد "الأئمة من قريش" و"قَدِّموا قريشاً ولا تَقَدَّموها"، بينما اعتبره البعض الآخر شرطاً مؤقتاً ارتبط بحدث معين، هو احتياج مؤسسة الخلافة فى بدايات الدولة للعصبية القبلية المتمثلة أقوى مظاهرها – آنذاك- فى قريش، وهو ما عبر عنه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بقولهم لمن طالبوا بخليفة من الأنصار "إن العرب لا تدين إلا لهذا الحى من قريش"، وما دعم موقف أصحاب هذا الرأى هو تدهور سلطة الخلافة فى مواجهة العناصر غير القرشية – بل وغير العربية - فيما بعد العصر العباسى الأول "بعد وفاة الخليفة العباسى المعتصم بالله". ومن ناحية أخرى فقد تشدد الشيعة الإمامية فى شأن النسب، فلم يكتفوا منه بالقرشية، بل اشترطوا أن يكون الخليفة من نسل على بن أبى طالب وفاطمة ابنة الرسول محمد.
هكذا. فى العام 632م، ولد نظام الخلافة، واستمر حتى سقوط الخلافة العباسية فى القاهرة سنة 1517 على يد العثمانيين الذين أعادوا إحياء الخلافة سنة 1876م على يد السلطان عبد الحميد الثانى، حتى أعلن الزعيم السياسى التركى مصطفى كمال أتاتورك إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1924م، ولم يحاول أى نظام حكام بعدها أن يعلن قيامه بها بعد ذلك، باستثناء قيام تنظيم "داعش" الإرهابى فى 29 يونيو 2014 بإعلان قيام الدولة الإسلامية فى العراق والشام، وتنصيب أبى بكر البغدادى خليفة لها، وهو ما لا يمكن اعتباره "نظاماً حاكماً" بالمعنى المعترف به دولياً.
أكثر من مئة حاكم على رأس نحو خمس دول فى 9 عواصم مختلفة، اشتركوا فى حمل لقب "أمير المؤمنين"، واختلفوا فى نهاية عهد كل منهم، فبينما انقضت عهود معظمهم بوفاة الخليفة فى فراشه بسلام، كان غيرهم قد انتهى حكمه نهاية دامية فقد فيها حياته.
فعن تلك النهايات الدامية لهؤلاء الخلفاء، نتحدث..ثم نرى صفحات الكتاب تقطر دماً لحكام أخذوا لقب الخليفة وقتلوا كسيد الشهداء على بن أبى طالب، والأمين بن هارون الرشيد والحاكم بأمر الله، قصص صاغها المؤلف بصورة شيقة تستحق القراءة.