نظم المجلس الأعلى للثقافة ، أمسية ثقافية عنوانها: "نصر أكتوبر.. تاريخ لا ينسى" تم دمجها مع الصالون الثقافى الذى تنظمه لجنة علوم الإدارة تحت عنوان "العاشر من رمضان نموذج للنجاح"، وقد تقاسم إدارة النقاش كل من: الدكتور صديق عفيفى مقرر لجنه علوم الإدارة، والإعلامى محمد الشافعى، وشارك فيها نخبة من أبطال نصر أكتوبر المجيد من العسكريين والأدباء منهم: الشاعر أحمد سويلم، الروائى السيد نجم، اللواء معتز الشرقاوى، اللواء أحمد شوقى الحفنى، اللواء أحمد رجائى عطية، واللواء مجدى شحاته.
فى البداية أعطى مدير الجلسة الدكتور صديق عفيفى الكلمة للشاعر أحمد سويلم، الذى أشار إلى تجربته فى حرب أكتوبر، موضحًا أنه كان ضمن المجندين من أصحاب المؤهلات العليا منذ عام 1968 وظل فى الجندية لعام 1974، واصفًا هذه الحرب الضروس بأنها كانت ملحمة مصرية عظيمة، شرف بخوض غمارها، واستشهد فى حديثه ببعض أبيات الشاعر صلاح عبد الصبور وأمل دنقل فى هذا الصدد، واختتم حديثه ببعض من أشعاره التى نظمها إبان حرب أكتوبر المجيدة.
ثم تحدث الروائى السيد نجم الذى كان أحد المشاركين فى نصر أكتوبر المجيد، حيث سلط الضوء فى حديثه على أهم العناصر المؤدية للنصر، وهى فدائية الجندى المصرى وشجاعته لأبعد الحدود بدرجة لا تصدق، مشيرًا إلى أن جنود مصر البواسل كانوا يتصدوا لدبابات ومدافع العدو المتطورة بصدورهم قبل أسلحتهم، وواصل حديثه مؤكدًا على أهمية الضربات الموجعة التى وجهتها مصر للعدو الإسرائيلى خلال حرب الاستنزاف مثل تدمير "إيلات" المدمرة والميناء فضلًا عن معركة"رأس العش" البطولية إلخ.. واستكمل حديثه موضحًا أنه لولا هذه الإنجازات والعمل الطويل، ما كان العبور والنصر فى حرب أكتوبر.
ثم جاءت كلمة اللواء الدكتور معتز الشرقاوى، الذى استهل حديثه بالآية الكريمة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 17]، مشيرًا إلى أنه يؤمن بشدة بأهمية تنفيذ القواعد العلمية فى العمليات العسكرية بأقصى درجات الدقة؛ وهى صفات المهندسين بشكل عام فهو حاصل على درجة الدكتوراه فى الهندسة بجانب خدمته فى سلاح الصاعقة بالجيش المصرى، ولكن بالطبع أساس نجاح أى عملية عسكرية أو معركة هو توفيق الله، وواصل حديثه حول النجاحات التى شهدها وحققها مع زملاءه إبان حرب الاستنزاف بداية من يونية 1967، التى زامله بها خيرة مقاتلى مصر بالكتيبة 43 قتال، تحديدًا بما أُطلق عليها عملية "رأس العش"، موضحًا أنهم تحركوا صوب "رأس العش" ، ضمن مجموعة قتالية لا تزيد عن 23 فردًا، ولكنهم رغم هذا العدد القليل هو وزملاءه الأبطال استطاعوا تكبيد العدو الكثير من الخسائر، وهو تدمير ثمانى دبابات وقتل أطقمها، وهى العملية التى بددت طموح العدو الإسرائيلى لاحتلال بورفؤاد، وفى ختام كلمته شبه الجيش المصرى المنتصر، بالأوركسترا المنضبطة تمامًا يعرف كل من فيها دوره، ويؤديه بمنتهى الدقة والاحترافية.
عقب هذا تحدث اللواء أركان حرب الدكتور أحمد شوقى الحفنى، قائد الكتيبة 43 صاعقة وأحد أبطال الجيش المصرى، الذى بدأ حديثه مهنئًا الحضور بمناسبة ذكرى انتصار العاشر من رمضان، قائلًا:" إذا كان الجيش المصرى بمثابة رأس الحربة الذى أحرز هدف النصر، فإن الشعب المصرى العظيم يمثل باقى عناصر الفريق من خط وسط ودفاع وحراسة مرمى"، وأضاف متناولًا بعض عناصر نصر أكتوبر المجيد التى تمثلت فى عدة جوانب أخرى تضاف للضربات العسكرية ولا تقل عنها أهمية، مثل دور الدبلوماسية المصرية آنذاك الذى كان مؤثرًا للغاية، حيث استطاعت أن تؤديه على أكمل وجه، ببث الصورة الصحيحة للعالم الخارجى؛ وهى أننا ندافع عن أرضنا ولا نهاجم الآخر كما كان يزعم العدو الإسرائيلى حينها، وأيضًا دور الإعلام المصرى حينها كان بالفعل على مستوى المسؤولية، وعمل على تجييش الإرادة المصرية وتجميعها، فكان الجميع على قلب رجل واحد إلى أن نصرنا الله، وعن بعض تفاصيل عملية "لسان بورتوفيق" التى نفذتها الكتيبة 43 صاعقة تحت قيادته.
عقب هذا تحدث اللواء أحمد رجائى عطية مؤسس وحدة 777 لمقاومة الإرهاب، وأحد أبطال المجموعة 39 قتال بالصاعقة المصرية، الذى روى بعض تفاصيل بطولات المجموعة 39 قتال، متناولًا إحدى العمليات العسكرية التى تزامنت مع هجوم العدو فى يونية 1967 قائلًا:"كنت بصحبة الفريق عبد المنعم رياض بالجبهة الشرقية فى الأردن، وكنا 6 مجموعات مكلفين بالهجوم على 6 مطارات إسرائيلية، وإذا بأحد الضباط الأردنيين يأتى صوبنا ثم يؤدى التحية العسكرية قائلًا: سيدى هناك هجوم على مصر، وببزوغ فجر السادس من يونية 1967، كانت قد صدرت لنا الأوامر بالعودة لقواعدنا، وكنا بالقرب من مستوطنة إسرائيلية في "بيت إلياس"، وكان دليلنا شخصين فلسطينيين على دراية جيدة بالمنطقة، واستمرينا بالسير معهم حسب النجوم، إلى أن أضلانا الطريق وتركانا بعد الخلاف معهم حول الطرق، وفى الصباح الباكر وجدنا أنفسنا أمام مستوطنة للعدو، وعلى الفور بحثنا عن الفتحة التى مررنا منها عبر الأسلاك الشائكة، ثم خرجنا عبر حديقة برتقال متاخمة لمستوطنة العدو كنّا مررنا منها ليلًا، ثم قمت باستخدام كل ما تعلمت من عناصر مفاجأة وخداع، وأصدرت أمرًا بحمل السلاح لأعلى وقلت للمجموعة: معتادًا مارش، وسرنا وسط جنود العدو الإسرائيلى، وكان جميعهم فى حالة من الدهشة، إلى أن اعترضتنا إحدى سيارات الدفع الرباعى للعدو قلت له بصوت مرتفع شالوم! ظل ينظر لى فضربت بيدى على سطح السيارة، فذهب مسرعًا ثم أكملنا سيرنا بالخطوة العسكرية نحو بوابة المستوطنة، وعند اقترابنا أصدرت أمرًا للمجموعة بالاشتباك والهجوم، وبالفعل استهدفنا أولًا من هم فى أبراج المراقبة للمستوطنة، وواصلنا معركتنا التى فاجئت العدو وأذهلته، واستطعنا قتل الكثير منهم، ثم واجهتنا بعد ذلك نقطة حراسة إسرائيلية، ولكننا أسقطنا من كانوا بها من جنديات وجنود للعدو الإسرائيلى وأحرقنا سياراتهم، وفور وصولنا إلى الأردن وبالفعل وصلنا للأردن إلى أن عدنا للوطن، مكبدين العدو الغالى والنفيس وسط ذهوله التام. وأضاف مؤكدًا على أن أكثر المشاهد التى جسدت عبقرية الشعب المصرى، تمثلت فى الخروج للشوارع بعد تنحى الزعيم جمال عبد الناصر، ومطالبته بالحرب، تحديدًا بعد هجوم العدو يوم 5 يونيو 1967، وهتاف الشعب "هنحارب..هنحارب"، وهتافه "الله أكبر" فى 1973، يؤكد على أننا شعب لا يستسلم أبدًا، وفى ختام حديثه تذكر أحد قائدته وقائد المجموعة 39 قتال، وهو الشهيد البطل العميد إبراهيم الرفاعى، حيث تحدث اللواء أحمد رجائى عن عملية "لسان التمساح" وهى واحدة من أهم العمليات الموجعة للعدو، وقادها العميد إبراهيم الرفاعى، وكبدت العدو الاسرائيلى الكثير من الخسائر، وكانت بهدف الثأر لاستشهاد الفريق عبد المنعم رياض.
وفى الختام تحدث اللواء مجدى شحاته، مشبهًا المناخ العام لمصر قبل الخامس من يونيو عام 1967 بالمناخ الذى شهدته البلاد قبل انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، مشيرًا إلى أن الثقة مطلوبة بالتأكيد، ولكن عندما تصبح الثقة الزائدة عن الحد هنا تكمن الخطورة، ثم بدأ اللواء مجدى شحاته فى الحديث عن تفاصيل إحدى المهمات التى كلّف بها ضمن ملحمة السادس من أكتوبر، وكانت المهمة تدور حول إنشاء كمائن خلف خطوط العدو الإسرائيلى، وعرقلة تحركاته بالقرب من مطار "أبو رديس" بجنوب سيناء، حيث تم إنزاله ضمن الكتيبة 83 صاعقة، التى أقلعت من منطقة جنوب جبال الجلالة البحرية غرب الزعفرانة، بحوالى 30 كم بعدد 7 طائرات "هيل مى-8"، للوصول لمنطقة الإبرار فى وادى بعبع شرق مدينة أبو رديس وإحداث أكبر الخسائر بالعدو، وكان ذلك تحت قيادة قائد الكتيبة المقدم عبد العزيز محمود ورئيس العمليات الرائد راشد عبد الفتاح، وكانت السرية الثانية بقيادة النقيب محمد فتحى محمد حسين، وذلك فى الساعة 1600يوم 6 أكتوبر بقوة 5 طائرة كمرحلة أولى وتم الإبرار على السهل الساحلى بالقرب من المنطقة الجبلية، وتم نزول جميع أفراد القوة بمنطقة الإبرار وإقلاع الطائرات والعودة عدا طائرة واحدة بقيادة النقيب طيار حسين، التى لم تستطع الإقلاع لسقوطها فى حفرة، واستشهد النقيب طيار أثناء مساعدته لقوة الصاعقة فى النزول من الطائرة، وكان أول شهيد فى المعركة، وقام أحد أفراد الطاقم بتعطيلها حتى لا يستفاد منها العدو وانضم باقى الطاقم على قوة سرية النقيب محمد فتحى حسين، وأثناء التمام على القوة شاهد الأفراد عربة "جيب" للعدو قادمة فى اتجاه الطائرة المعطلة، ولم تحاول التدخل ثم غادرت المكان بسرعة، وأدركنا أن العدو اكتشف مكان الإبرار، وعلى الفور تم التجميع والسير فى اتجاه المنطقة الجبلية للبحث على قاعدة دوريات للاختفاء بها، وبالفعل تم اكتشاف قاعدة دوريات وتم اختفاء القوة المنفذة بها وتأمينها، مع الدفع عدد من الكمائن ليلًا بوادى بعبع ولكنها لم تجد أى عناصر للعدو، وفى صباح يوم العاشر من أكتوبر، دفع العدو بطائرة "هيل" مسلحة لتحديد مكان قوة الصاعقة، واستطاعت بالفعل اكتشاف القوة وقامت الطائرة بالضرب على القوة بشراسة، وانضمت إليها طائرة أخرى وفجأة ظهرت مدرعات للعدو تتقدم وتقوم بالضرب على القوة، التى لم تستسلم وظلت تقاتل حتى نفذت الذخيرة، وتم حصار القوة من الجو والأرض وهو ما أدى لاستشهاد معظم أفراد الكتيبة، ولكن شاءت العناية الإلهية أن يحيى اللواء مجدى شحاتة الذى كانت حينها برتبة نقيب، فوجد النقيب مجدى شحاتة نفسه وحيدًا بعد أن تفرقت القوة فى أماكن مختلفة، ولكنه ظل يبحث عن رفاقه حتى عثر بالصدفة على النقيب عبد الحميد خليفة ومعه بعض الرفاق فى يوم 19 أكتوبر بعد أن صارع الحياة وتعايش مع الطبيعة هو ورفاقه، وبدأت رحلة العودة الشاقة التى تمت بعد الحرب بسبعة أشهر كاملة، كان الفضل بعد الله يرجع فيها لرجال بدو سيناء الوطنيين، وتتلخص نتائج العملية فى نجاح القوة فى تعطيل تقدم العدو على محور "فيران"، طوال المعركة وحرمانه من التدخل فى معارك الجيش الثالث الميدانى من الجنوب، وتحقيق الهدف الأعظم برغم الخسائر التى منيت بها الكتيبة 83 صاعقة، كما تم تدمير 2 أتوبيس وقتل أكثر من 50 فردا بهما محتمل أن يكونوا طيارين والملاحين والأطقم فنية.