خالد عزب يكتب: كيف تترك التقنيات بصماتها على أدمغتنا؟

صدرت مؤخراً ترجمة عربية لكتاب "تغير العقل.. كيف تترك التقنيات بصماتها على أدمغتنا"، وهو من تأليف سوزان غرينفليد وهى عالمة بريطانية حاصلة على الدكتوراه من جامعة أكسفورد فى علم النفس التجريبى العام 1977 ميلادية، وتترأس حالياً فريقاً فى جامعة أكسفورد متعدد التخصصات، يبحث فى الآليات الدماغية المتعلقة بالأمراض العصبية مثل الزهايمر، ونشرت العديد من الكتب حول العقل والدماغ، وترجم هذا الكتاب لسلسلة عالم المعرفة التى تصدر من الكويت الدكتور إيهاب عبد الرحيم، وهو أول رئيس تحرير للطبعة العربية لمجلة فيتشر وله العديد من المؤلفات والترجمات إلى العربية. يتمثل الهدف الرئيسى من كتاب "تغير العقل" فى استكشاف الطرق المختلفة التى يمكن أن تؤثر بها التقنيات الرقمية ليس فقط فى أنماط التفكير والمهارات المعرفية الأخرى، ولكن أيضاً فى نمط الحياة والثقافة والتطلعات الشخصية. المؤلفة ترى أنه فى العالم المتقدم، هناك الآن فرصة واحد إلى ثلاثة لأن يعيش الأطفال إلى عمر المائة، بفضل التطورات التى تحققت فى مجال الطب البيولوجى، يمكننا أن نتوقع حياة أطول وأكثر صحة، وبفضل التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع وجوداً متحرراً على نحو متزايد من مشاكل الحياة المنزلية اليومية التى اتسمت بها حياة الأجيال السابقة. وترى أنه على عكس الجنس البشرى فى الماضى، بل فى كثير من السيناريوهات المرعبة الحالية فى جميع أنحاء العالم، نحن نأخذ حقنا فى ألا نشعر بالجوع، أو البرد أو الألم أو الخوف المستمر طوال حياتنا، باعتباره من المسلمات. هنا نرى مارك برينسكى وهو خبير تقنى أمريكى، مصطلح "المواطن الرقمى” لوصف الشخص الذى تتحدد هويته بفعل قدراته وما هو متوقع منه، بناء على البراعة والألفة التلقائية فى التعامل مع التقنيات الرقمية. الكتاب ينبه إلى أنه على مدى السنوات العشر المقبلة، من المرجح أن تتأثر هويات الناس بشكل كبير بفعل العديد من محفزات التغيير المهمة، لاسيما سرعة وتيرة التطورات الحادثة فى مجال التكنولوجيا، وأشار الكتاب إلى تقرير أعده جون بدينغتون كبير مستشارى الحكومة البريطانية، كانت نقطة انطلاق التقرير هى أن ظهور الارتباطية الفائقة (حيث يمكن للناس الآن أن يكونوا متصلين باستمرار عبر الانترنت)، وانتشار وسائل الاعلام الاجتماعية، وزيادة المعلومات الشخصية عبر الانترنت هى من العوامل الرئيسية التى ستتفاعل بحيث تؤثر فى الهويات، والسؤال هل يمثل هذا مجرد إثارة للذعر من قبل شخصية رفيعة المستوى، أم أنها مكالمة إيقاظ جادة وعاجلة؟ فى حقيقة الأمر تطورت مواقع الشبكات الاجتماعية بصورة مذهلة، حتى أصبحت لدينا ما نسميه الآن هوية الفيسبوك، فيها يظهر المستخدمون مشاعرهم بدلا من أن يقولوها، من خلال تأكيد ما يحبونه وما يكرهونه، هذا يعنى أنه يمكن قراءة الأشخاص عبر شبكات التواصل الاجتماعى، فيبدو أن مواقع الشبكات الاجتماعية توفر وللمرة الأولى نوعاً من الذات المثالية وغير الواقعية، أى ثمة شخصية بديلة، وفى الواقع يتحدث الناس أحياناً عن شخصية منفصمة، وهى الذات التى تظهر عبر الانترنت فى مقابل الذات غير المتصلة بالأنترنت، وترى سوزان غرينفليد أنه بقدر ما يتعلق الأمر بالدماغ، فمن المستحيل أن نفصل الهوية عن البيئة والسياق، ولذلك فمن المحتم أن تتشكل هوية الجيل القادم فى سياق ثقافة افتراضية متغلغلة ومتغيرة باستمرار، إن البنية الحقيقية لحياتنا تعنى أن الصداقات فى العالم الحقيقى تواجه منافسة من تلك التى نبنيها عندما نتحول إلى وسائل التواصل الاجتماعى المريحة والموجودة باستمرار، وترى سوزان أنه بالنسبة لأولئك الذين ليست لديهم علاقات ثابتة ومستقرة، فقد يكون للانغماس المفرط فى الصداقات الافتراضية تأثير سلبى فى الهوية. وترى سوزان أن التواصل عبر الشبكات الاجتماعية يرسم خرائط مباشرة على الدماغ المادى، وذكرت أن البروفسور ريوتاكا ناى من يونيفسر سيتى كولدج فى لندن أن حجم الشبكة الاجتماعية على الانترنت للفرد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجوانب معينة من البنى الدماغية المادية المكثفة فى الاستعراف الاجتماعي. وعلى وجه التحديد، وجد الفريق أن التباين فى عدد الأصدقاء على الفيسبوك يتنبأ بقوة وبشكل ملحوظ بحجم بنى معينة فى الدماغ، ووجد الباحثون أيضاً أن كثافة المادة الرمادية فى منطقة دماغية بعينها، هى "اللوزة" ترتبط لحجم الشبكة الاجتماعية فى العالم الحقيقى، كما ترتبط بحجم الشكة الاجتماعية للشخص المعنى على الإنترنت. المفاجأة الكبرى فى هذا الكتاب ما ذكرته المؤلفة حول دراسة "آن مانغين" من جامعة أكرشوس للعلوم التطبيقية فى أوسلو فى استكشاف أهمية استخدام القيام بفعل القراءة بلمس الورق من خلال مقارنة أداء قراء الكتب الورقية بمن يقرأون على الشاشة، وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن القراءة الالكترونية أسفرت عن فهم أدنى نتيجة للقيود المادية للنص التى تجبر القراء على التمرير صعوداً وهبوطاً، وبالتالى تشويش قراءتهم نتيجة لعدم الاستقرار المكانى، وهذا عامل مهم فى رأى آن، لأن وجود تمثيل مكانى ذهنى جيد للتصميم المادى للنص يؤدى إلى فهم المادة المقروءة بشكل أفضل، ويكون من يفهمون جيداً مقارنة مع أولئك الذين يفهمون على نحو ردئ، أفضل بكثير فى تذكر وتغيير الترتيب المكانى للمعلومات المتضمنة فى النص، وبالتالى ينتهى البحث إلى أنه قد تكون هناك صلة بين الشكل المادى لما تقرأ أو مدى فهمك له. هذا الكتاب به الكثير من المعلومات القيمة وعرضه لا يغنى عن قراءته، فإذا أردت أن تعرف المستقبل فأذهب لقراءته.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;