إذ بات المدير الفنى لمنتخب الفراعنة هيكتور كوبر موضع جدل صاخب بين النقاد والمعلقين الرياضيين عقب خسارة المنتخب الوطنى مؤخرا بهدف واحد أمام منتخب تونس الشقيقة فى المحطة الأولى لتصفيات بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم المزمعة عام 2019 فإنه لا يشكل استثناء فى عالم الساحرة المستديرة وثقافتها.
وإذا كان الأرجنتينى هيكتور كوبر المدير الفنى لمنتخب الفراعنة قد أعرب عن تفاؤله رغم الخسارة مؤكدا على ثقته فى قدرة فريقه على التعويض خاصة وإن مسيرة التصفيات مازالت فى بدايتها فإن الكتب الجديدة عن عالم مدربى كرة القدم تتوالى لتشكل علامة فى الثقافة الرياضية بالغرب.
ومن هذه الكتب الجديدة كتاب "الحياة فوق البركان..أسرار البقاء كمدير كروى" للكاتب والناقد الرياضى مايكل كالفين وبمقدمة لأرسين فينجر المدير الفنى لفريق أرسنال الإنجليزى وهو كتاب صدر بالإنجليزية ليسرد ملامح مسيرات ورحلات المسير والمصير لأكثر من 20 مديرا فنيا فى فرق كروية ذات مستويات مختلفة ودوريات مختلفة فى اللعبة الجميلة.
كتاب بديع حول ثلة من المدربين مثل بريندان رودجرز المدرب السابق لفريق ليفربول وروبيرتو مارتينيز الذى كان مديرا فنيا لفريق ايفرتون كما درب فريق سوانزى سيتى وكريس هوتون المدرب السابق لفريق نوريتش سيتى.
وبين هؤلاء المدربين من يضرب الحائط بقبضة يده فى غمار الغضب ومن يشكو من شعوره بأنه غريب فى نظر من يحبهم وآخر يعترف بأنه كان يفضل لو احترف التدريب فى لعبة الكريكيت بدلا من الساحرة المستديرة بمفاجآتها وغرائبها التى قد تكون صادمة وأحيانا مهينة كما حدث عندما خسر فريق الأرسنال بخمسة أهداف أمام بايرن ميونيخ بينما لم يسجل سوى هدف واحد فى مرمى منافسه الألمانى !.
ذلك طرف من عالم المدربين الذين يعيشون "فوق البركان" حسب عنوان هذا الكتاب الذى حظى بإعجاب المدرب الفرنسى ارسين فينجر والذى وجد نفسه فى الموسم الأخير للدورى الانجليزى الممتاز وأيضا بعد واقعة خسارة مهينة لفريقه امام فريق بايرن ميونيخ الألمانى فى دورى أبطال اوروبا على فوهة بركان تتدافع منه حمم غاضبة من جانب جماهير مشجعى الأرسنال وأحيانا من تعليقات بعض النقاد الكرويين!.
وكأن أرسين فينجر عندما كتب مقدمة هذا الكتاب كان يقرأ ما سيحدث معه وله بعد هزيمة فريقه أمام فريق بايرن ميونيخ وهو يخاطب المدير الفنى لأى فريق مستندا على تاريخه كأقدم مدرب فى الدورى الانجليزى الممتاز :"فى أى يوم وأى مباراة قد تكون نهايتك !.
تحدث هذا المدرب الموهوب بمرارة وبكلمات تنزف ألما عن الإرهاق الذهنى وانعدام الشهية الكروية والقدرة على تذوق متعة تسجيل الأهداف لفريقه الكبير!!..وإذا كانت نتائج الأرسنال فى الموسم الأخير قد وضعت فى نظر البعض مصير ارسين فينجر فى مهب الريح فان هذا المدرب الفرنسى الكبير قد ظفر مؤخرا بتجديد تعاقده رسميا مع فريق أرسنال لمدة عامين.
كما وجد أوفياء يؤازرونه فى محنته مثل اللاعب الفرنسى المعتزل تييرى هنرى الذى كان يوصف "بأيقونة الأرسنال" كما كان أحد أساطير برشلونة وأحد ملوك فن المراوغة على المستطيل الأخضر..فقد دافع تييرى هنرى عن مدربه السابق ارسين فينجر بقدر ما ألقى باللوم على لاعبى الأرسنال.
ولئن كان بعض النقاد والمعلقين المصريين قد انتقدوا هيكتور كوبر بشدة وتحدثوا عن حالة "الغيبوبة أو الانهيار الذهنى التى أصابت منتخب الفراعنة أمام نسور قرطاج" وذهب الناقد والكاتب حسن المستكاوى إلى أن "الإرهاق الذهنى" للاعبى منتخب الفراعنة وصل إلى المدى بعد دقائق قليلة من بداية المباراة فإن كوبر المدير الفنى لمنتخب الفراعنة قد اعتبر ان لاعبيه لم يكونوا غائبين عن المباراة وكانوا الأفضل فى الشوط الثانى.
وعلى أى حال فحالة الغياب او حتى "الانهيار الذهنى" هى حالة واردة دوما فى عالم كرة القدم حتى أن تييرى هنرى استخدم ايضا مصطلح "الانهيار الذهنى" لوصف حالة فريقه السابق بعد ان هزم بخماسية أمام بايرن ميونيخ معتبرا أن لاعبى الفريق الحالى بحاجة "لروح الصمود وأن يكونوا على مستوى تحديات المستطيل الأخضر" بدلا من إلقاء مسؤولية الهزيمة المهينة على عاتق مدربهم الذى "يتلقى الرصاص فى صدره دفاعا عنهم وهو الرجل الذى شيد الصرح المعاصر لفريق المدفعجية ومنح النادى الكثير من المجد".
نعم لا أحد يحب الخسارة بمذاقها الموجع كما يقول ارسين فينجر الذى يصف نفسه "بالمقاتل" ولكن حتى الفرق الكبرى فى عالم كرة القدم قابلة للانهيار الذهنى والانكشاف الكامل أمام الخصم فى بعض المباريات التى لا تنسى مثل مباراة الأرسنال وبايرن ميونيخ وكان الأرسنال نموذجا للانهيار والانكشاف فى الدقائق الخمس والعشرين الأخيرة من تلك المباراة باعتراف المدير الفنى للفريق.
ويستحق فينجر التحية لأنه لم يبحث عن أى ذريعة مثل إصابة نجمه المدافع لوران كوشيلنى ليعلق عليه أسباب ما حدث لفريقه مشيدا فى الوقت ذاته بأداء المنافس الألمانى كما أن هيكتور كوبر لم يتهرب بدوره من تحمل مسؤوليته عن نتيجة اللقاء الأخير مع "نسور قرطاج" وأقر بوقوع أخطاء من جانب منتخب الفراعنة "خاصة فيما يتعلق بتبادل ونقل الكرة" مؤكدا أن منتخب تونس قدم أداء جيدا فيما نال المدير الفنى للمنتخب التونسى نبيل معلول الكثير من الثناء لخططه اثناء هذه المباراة .
وارسين فينجر رجل قضى اكثر من 20 عاما كمدير فنى فى الدورى الانجليزى الشهير "بالبريمير ليج" مع أن متوسط المدة لأى مدير فنى اخر لأى فريق من الفرق المتنافسة فى هذا الدورى لا تزيد عن 17 شهرا ومع ذلك لم يفلت من الحياة فوق البركان الغاضب!.
إذا كان الأمر كذلك فلن يكون من الغريب أن يلاحظ مؤلف كتاب "الحياة فوق البركان" مايكل كالفين أن العامل المشترك بين المدربين الذين التقاهم اثناء اعداد هذا الكتاب هو "الشعور بعدم الأمان" أما ما يخلص له الكتاب فمفيد جدا عندما لخص بحكمة الصفات الواجب توافرها فى المدير الفنى الناجح فاذا بها"تجمع مابين الحزم والعطف..وبين المثالية والدهاء".
هكذا تتوالى الكتب عن عالم الساحرة المستديرة وتتوالى الوقائع المدهشة والقصص الغريبة التى تنسحب على اللاعبين كما تنطبق على المدربين ومن بينهم المدرب الشهير يرجن كلوب والمدير الفنى الحالى لفريق ليفربول الذى يفخر فى سيرته الذاتية كما وردت فى كتاب بقلم ايلمار نيفيلنج بأن فريقه الشهير "بالريدز" والذى بات مديره الفنى منذ عام 2015 من الفرق المحبوبة على مستوى العالم كما ان النادى ليس بالنادى العادى.
فالألمانى كلوب يعرف ان سكان ليفربول "يتنفسون بأكسجين كرة القدم" وإن إدارة النادى عندما تعاقدت معه كانت تطمح لاستعادة العصر الذهبى للريدز والتتويج ببطولة البريمير ليج وهو اللقب الغائب عن الفريق منذ عام 1990.
ومع أن يورجن كلوب كمدرب مجدد وصاحب فكر ابتكارى فضلا عن سجل ناجح من قبل مع فرق دربها وأهمها فريق بروسيا دورتموند فانه مازال بعيدا عن تحقيق حلم جماهير ليفربول فى استعادة لقب البطولة الذى غاب طويلا كما فعل من قبل عندما توج فريق بروسيا دورتموند بلقب بطولة البوندسليجا فى عام 2011 بعد غياب لسنوات امتدت طويلا .
والكتاب الذى يحمل صفحات سيرة حياة يورجن كلوب فى الملاعب يظهر اهتمامه كمدرب بفرض السيادة التكتيكية لفريقه مع نزعة نحو تبنى فلسفة التفرد وابتكار الجديد من الأفكار فى تطوير هجمات الضغط العالى المضادة وما يعرف بهندسة الحيز او المستطيل الأخضر وهى فكرة ابدع فيها ايضا الأسبانى بيب جوارديولا المدير الفنى الحالى لفريق مانشستر سيتي.
ولكن هذا الألمانى الذى ولد يوم السادس عشر من يونيو عام 1967ولعب كمدافع ومهاجم وتمكن من فرض كلمته كمدرب فى الدورى الألمانى ويجعل من فريق بروسيا دورتموند الذى كان مغمورا بطلا لهذا الدورى مازال يبدو تائها فى غمار الدورى الانجليزى كما تجلى فى الموسم الأخير رغم تمتعه بسجايا عديدة ومهارات ادارية رفيعة المستوى فضلا عن حب لاعبيه واحترام الكثير من النقاد والمعلقين الرياضيين.
وكان كل ما يهم جوارديولا وكلوب الخروج بنتيجة مشرفة فى هذا الموسم العصيب للدورى الانجليزى الذى انتهى مؤخرا بتتويج فريق تشيلسى وبعدها يكون لكل حادث حديث إن استمر كل منهما فى موقعه الحالى رغم ان تعاقد كلوب مع ليفربول من المفترض انه مستمر حتى عام 2022 ولكن هل يمكن ان يبقى حتى هذا العام وفريقه بعيد عن حلم التتويج ببطولة الدورى الانجليزى الممتاز ؟!!.
مسألة صعبة للغاية مع فريق محبوب من قاعدة جماهيرية عريضة مرتبطة بناد عريق تأسس عام 1892 وصدرت عنه كتب بأكملها لعل احدثها كتاب "حلقة النار..ليفربول فى القرن الواحد والعشرين" لسيمون هيوز ليتحدث عن احلام لم تتحقق بعد "للريدز" فى هذا القرن لاستعادة امجاد سبق وان حققها الفريق.
ففريق ليفربول يعد أكثر الفرق الانجليزية تتويجا بالألقاب الأوروبية كما أنه صاحب صولات وجولات فى منافسات الداخل الانجليزى فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وتوج من قبل 18 مرة بلقب بطولة الدورى لتتغنى جماهير المشجعين المبتهجة فى "ملعب الأنفيلد" بنشيد نادى ليفربول :"لن تسير وحيدا ابدا".
لكن تلك الجماهير لم تجد بهجتها الكبيرة منذ مطلع العقد الأخير فى القرن الماضى لغياب التتويج ببطولة الدورى الانجليزى وتجتر ذكريات فى كتاب "حلقة النار" بينما لم تتحقق حتى الآن آمال رموز تحدثت فى هذا الكتاب ولاعبين تألقوا من قبل فى الفريق وتحدثوا لسيمون هيوز مؤلف الكتاب مثل جيمى كاراجر ومايكل اوين اللاعب الأسبانى تشابى الونسو.
وإذا كان يورجن كلوب يسلم بأن البريميرليج اصعب بطولة للدورى فى العالم فهناك من النقاد من يرى ان بطولة بقوة واثارة وشراسة الدورى الانجليزى الممتاز هى الاختبار الحقيقى لأصالة اى مشروع لأى مدرب..فالبريمير ليج بيئة كروية مختلفة وعلى هذا المدرب ان يقبل اشتراطات هذه البيئة مادام قد قبل التنافس فيه.
وفى الموسم الأخير للدورى الانجليزى الممتاز برزت نزعة جديدة تتمثل فى "ذبح المدرب عند اول علامة فشل" حتى ان احصائية اظهرت مؤخرا ان ربع مجموع المدربين للفرق المتنافسة فى الدورى الانجليزى الممتاز هذا الموسم جرى تغييرهم فى غضون 100 يوم فحسب وهى ظاهرة سلبية بالتأكيد بل وتمتد آثارها السلبية لاقتصاديات الأندية وتجعل من التعاقد الطويل الأمد مع اللاعبين مسألة عبثية !.
وحتى على المستوى التكتيكى هناك مضاعفات سلبية لهذه الظاهرة لأن التعاقدات القصيرة الأمد تفضى للاستسهال وعدم التفكير فى معالجات عميقة أو حلول طويلة الأمد للمشاكل المزمنة والهيكلية التى يواجهها فريق ما ..فالمدرب الذى يرى سيف الإقصاء على عنقه ينحصر همه فى نتيجة المباراة القادمة وليس مستعدا للتفكير فى حلول طويلة الأمد او حتى الاقدام على مخاطر تكتيكية ناهيك عن فرض نظام يتطلب وقتا للاستيعاب من جانب اللاعبين.
وإذا كان من الطبيعى بعد انجازه الكبير مع غريق تشيلسى الشهير "بالفريق الأزرق" ونجاحه المدوى فى موسمه الأول بالبريمير ليج أن يدخل انطونيو كونتى قائمة اغلى المدربين فى العالم فان الدورى الذى يوصف بأنه الأكثر صعوبة وشراسة فى العالم لم يمنح مدربا كبيرا وشهيرا هو بيب جوارديولا ما كان يحلم به !.
وكم كان من المؤلم ان يقول المدرب الذى تألق مع فريقى برشلونة وبايرن ميونيخ انه سيجد ابواب الناديين الكبيرين مغلقة فى وجهه بسبب سجله مع فريق مانشستر سيتى حتى تمنى ان يصل هذا الفريق للمركز الثالث فى نهاية هذا الموسم الأخير للبريميرليج!.
والطريف أنه وسط مأزق مدرب كبير مثل بيب جوارديولا فى نهاية موسم كروى عصيب وسخرية بعض النقاد الكرويين الانجليز منه ومن زميله جوزيه مورينيو المدير الفنى لفريق مانشستر يونايتد واللذين كانا يتنافسان من قبل كمدربين عظيمين على لقب "الأعظم" فيما خرج كل منهما خالى الوفاض من اى القاب فى الدورى الانجليزى الممتاز يصدر كتاب يذهب مؤلفه الى ان كلاهما لا يستحق هذا اللقب !.
ذاكرة الساحرة المستديرة قوية للغاية ولا تنسى ابدا عظماء اللعبة الجميلة وتستدعى سيرهم حتى ان كتابا جديدا صدر عن لاعب ومدرب مجرى عظيم هو بيلا جوتمان الذى ولد فى مطلع العام الأخير من القرن التاسع عشر فى العاصمة المجرية بودابست وقضى عام 1981 فى فيينا عاصمة النمسا والكتاب الذى جاء بعنوان :"عودة الأعظم" بقلم دافيد بولشفر يفتح مجددا ملفات هامة عبر سيرة حياة شخصية كروية مثيرة للجدل .
وفى كتابه الجديد الصادر بالانجليزية وهو رابع كتبه فى عالم الرياضة وادارة الأعمال والتى يمزج فيها خبراته ليتناول طرق التدريب الكروى واهم المدربين من وجهة نظره يعتبر دافيد بولشفر أن بيلا جوتمان كمدرب هو "الأعظم" ويصفه بأنه "الأول فى سلالة المدربين السوبر ستارز" فيما يلتفت بسخرية نحو جوارديولا ومورينيو ليقول فى كتابه :" لقد حقق بيلا جوتمان اعظم النجاحات وأروع الأمجاد قبل ان يولد بيب جوارديولا أو جوزيه مورينيو".
وبيلا جوتمان درب منتخب النمسا فى موسم 1964-1966 كما تولى تدريب العديد من الفرق فى المجر والولايات المتحدة وهولندا وايطاليا والبرازيل والبرتغال واورجواى واليونان ولعل اشهر الفرق التى كان مديرا فنيا لها إيه.سى.ميلان الايطالى وساو باولو البرازيلى وبورتو وبنفيكا فى البرتغال الذى فاز بقيادته مرتين ببطولة دورى أبطال أوروبا والتى كانت تسمى حينئذ بكأس أبطال اوروبا.
ويستدعى هذا الكتاب الجديد وقائع هروب بيلا جوتمان من معسكر اعتقال اثناء الحرب العالمية الثانية فى المجر عام 1944 ورحلته للنمسا ويتوقف عند علامة كبيرة وهى توليه منصب المدير الفنى لفريق بنفيكا فى عام 1961 وفوز الفريق ببطولة دورى ابطال أوروبا.
ويرى المؤلف أن بيلا جوتمان الذى اقتنص لفريقه اهم بطولة أوروبية بعد ان كان يوما ما مهددا بالموت فى معسكرات الاعتقال التى تعرض فيها للأهوال حتى نجح فى الهروب رجل جدير كمدرب بلقب "الأعظم" كما ان عودته للملاعب كمدير فنى بعد ان ودع المستطيل الأخضر كلاعب هى " اعظم عودة لرجل فى التاريخ الكروى" لأن قصته تجسد "انتصار ارادة الحياة كما انها ملهمة للباحثين عن الانتصار فى مواجهة الأهوال والشدائد".
غير أن قصة بيلا جوتمان كمدرب مع بنفيكا تحولت إلى "لعنة" تتردد من حين لآخر كلما اخفق هذا الفريق البرتغالى فى التتويج بلقب اى بطولة اوروبية !..واصل القصة الغريبة التى راجت بين عشاق الساحرة المستديرة ونوادرها يرجع الى عام 1962 عندما حصد بنفيكا بطولة الدورى البرتغالى الممتاز كما توج للموسم الثانى على التوالى بلقب بطولة دورى أبطال أوروبا وتصور بيلا جوتمان أن هذا النجاح الاستثنائى جدير بزيادة راتبه.
وعندما رفض مجلس إدارة بنفيكا الاستجابة لمطلبه قرر جوتمان ترك النادى وقال فى غمار غضبه عند الرحيل :" بنفيكا لن يتوج بأى بطولة أوروبية لمائة سنة قادمة" وعندما تحققت مقولته فى الواقع بعجز مزمن لهذا الفريق الشهير وصاحب الشعبية الأكبر فى البرتغال عن الفوز بأى بطولة اوروبية تحولت المقولة فى اعتقاد مشجعى هذا الفريق الى "لعنة" وراح كثير من المشجعين يتحدثون عن "لعنة جوتمان !!.
والطريف أنه حتى عندما أقام بنفيكا فى عام 2012 تمثالا لبيلا جوتمان قبالة النادى على امل كسر اللعنة استمرت خسائر الفريق فى البطولات الأوروبية وفى مقدمتها دورى أبطال أوروبا !.
واذا كان هذا الكتاب الجديد يذكر القارئ بنادرة من نوادر الساحرة المستديرة وقد يجدد الجدل حول حقيقة "اللعنة" أو "النحس" أو حتى "السحر" فى كرة القدم ويفتح شهية هؤلاء الذين يطيب لهم تفسير مجريات المستطيل الأخضر بعوامل أبعد ما تكون عن العقلانية بقدر ماهى مضادة للرصانة فان كتابا جديدا صدر بعنوان مغاير ودال وهو: "رصين: كرة القدم.قصتى.حياتي" والمؤلف هو المدرب تونى آدمز بينما قام الكاتب ايان ريدلى بالمساعدة فى تحرير الكتاب الذى يتناول السيرة الذاتية لهذا المدرب واللاعب الانجليزى الذى يعد من اصحاب الشخصيات الكاريزمية فى كرة القدم حتى ان نادى الأرسنال بحث فكرة اقامة تمثال له تكريما لمسيرته الطويلة مع "المدفعجية" .
وتونى آدمز الذى ولد عام 1966 استمر كلاعب فى الآرسنال من عام 1983 وحتى عام 2002 كما انضم لمنتخب انجلترا كمدافع أساسى وبكلمات تنبض بالوفاء تحدث تونى آدمز فى هذا الكتاب عن ارسين فينجر المدير الفنى للأرسنال الذى ساعده فى التغلب على محنة ادمان الكحوليات ودفع به نحو افاق النجاح غير ان هذا المدرب الفرنسى الكبير والذى يدرب الأرسنال منذ عام 1996 كان بدوره على موعد مع الشقاء فى الموسم الأخير للبريمير ليج بعد ان تحول الوصول للمربع الذهبى للدورى الممتاز الى حلم عصى لفريق كبير حمل فيه تونى آدمز شارة الكابتن مابين عامى 1988 و2002 وتوج فيه الفريق خلال تلك الفترة اربع مرات بلقب بطل البريمير ليج !..
لئن اعتبر دافيد بولشفر فى كتابه "الأعظم" ان قصة حياة اللاعب والمدرب بيلا جوتمان تجسد ارادة الانتصار للحياة فان تونى آدمز بدوره قد حقق انتصارا لإرادة الحياة عندما تغلب على الادمان اللعين فيما يحفل الكتاب بنصائح مفيدة لكل من يتطلع لتجاوز هذه اللعنة.
وبعد اعتزاله كلاعب شارك فى أكثر من 650 مباراة لفريق الأرسنال كما حمل شارة كابتن منتخب انجلترا فى 66 مباراة دولية اتجه تونى آدمز للتدريب وحقق انجازات يعتد بها مع فريق بورتسموث الذى فاز بكأس الاتحاد الانجليزى عام 2008 وعرف التدريب خارج بلاده ليثرى خبراته ويوسع منظوره كما يقول مابين هولندا واذربيجان والصين وهاهو قد بدأ هذا العام مسيرته كمدرب مع فريق غرناطة الذى كان من ضحايا الليجا الأسبانية فى هذا الموسم ليهبط لدورى الدرجة الثانية.
لكن "الرصين" تونى آدمز وإن عبر عن حزنه لهبوط فريقه الأندلسى من دورى الأضواء لم يتخل عن التفاؤل مؤكدا على أن المستقبل أفضل وأن "لون غرناطة سيظهر من جديد فى الليجا" !..والأصالة تتجلى دوما فى اللحظات الصعبة والمواجهات العصيبة التى تضع اى فريق على المحك..وغياب عنصر الأصالة عن هوية بعض الفرق يؤدى فى حالة الخسارة لتبادل الاتهامات داخل الفريق لتخلف مرارات وتصدعات تقوض الثقة وهى نزعة اقرب "لتدمير الذات".
وحتى فى لعبات غير كرة القدم مثل لعبة كرة الرجبى ستجد اهتماما بمسألة الأصالة والتراث المضيء كما هو الحال فى كتاب "تراث" لجيمس كير الذى يتناول مسيرة فريق "أول بلاكس" النيوزيلاندى لكرة الرجبى والذى يعرفه عشاق هذه اللعبة بملابسه السوداء ويشجعه الكثير منهم باعتباره من ابطال العالم فى الرجبى فيما يؤكد المؤلف على ان عنصر الأصالة او التراث المضيء لهذا الفريق الذى يرجع تاريخ منافساته الدولية الى عام 1893 يشكل احد اسرار نجاحه وقدرته على مواجهة ضغوط وتحديات تهدد استدامة النجاح.
لكن الخسارة واردة تماما كالفوز فى أى مباراة لكرة القدم ولعل الذاكرة تحفل بكثير من المشاهد الدالة عندما صفقت الجماهير لفرق خسرت مباريات لكنها قدمت كل ما لديها واستبسلت حتى اللحظة الأخيرة لتخرج وكأنها منتصرة وتستحق تحية الجماهير..ومنتخب الفراعنة بمقدوره أن يستأنف مسيرة الفوز لأنه فريق يتمتع حقا بعنصر الأصالة والاحتفاء بثقافة النصر..أيها الرجال: "المستطيل الأخضر ينتظر خطى الإبداع واستعادة ذاكرة الفوز" !.