أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاباً حمل عنواناً جذاباً هو "الفقراء الجدد.. سوسيولوجية القهر والحيلة"، من تأليف دكتور صلاح هاشم، الكتاب حمل رؤى المؤلف حول الفقر فى مصر، بعضها مستمد من خبراته الحياتية ومعايشته للأحداث، هنا هو يستمد من خبرة تجربة هنرى مايو الذى نشر فى العام 1951م سلسلة مقالات عن عمال لندن والفقراء فيها، بل نراه فى مقدمة كتابة يستطرد فى تجربة هنرى مايو الذى رأى فى مقالاته أن هناك سلالتين من البشر، إحداهما: تهتم ببناء الحضارات وتجعل من نفسها قاطرة للتقدم والتنمية، والثانية: عادة ما تفتقر إلى العقيدة الوطنية الثابتة، وتجعل من نفسها أداة لهدم التنمية وإعاقة التقدم، هذا يقودنا لواحدة من تأملات و رؤى المؤلف فى الكتاب وهى بعنوان "المواطن الحائر.. بين القهر والحيلة".
يرصد المؤلف نوعاً من العبودية المعاصرة، وهى عبودية الإنسان للإنسان، فنراه تارة عبداً لصاحب "سلطة" وأخرى لصاحب "نفوذ" مغلقاً عبوديته بشرعية وهمية، وإن جاز "تبريرية" مفادها "عبودية لقمة العيش" ذلك العيش فى المحشو بذل العبودية وانتهاك الكرامة الإنسانية، وكأن العبودية ليست "عقيدة" راسخة فى ضمائر الشعوب، بقدر ما هى "حيلة" نستخدمها حينما تقهرنا "القوة" فكلما ضاقت الظروف وأحكمت الأيام قبضتها، عاش الإنسان فى وطنه "حائرا بين القهر والحيلة"، هنا أتذكر على الفور كتاب الدكتور سعيد المصرى "إعادة إنتاج التراث الشعبى"، الذى قدّم فيه دراسة عن كيفية تغلب الفقراء على الفقر حتى بالأمثلة الشعبية.
يرى صلاح هاشم فى كتابه أن أكثر ما يقهر الإنسان ويضعفه هو الفقر والمرض والجهل، فكلها أمراض مستعصية على الأنظمة والشعوب المتخلفة، عادة ما يصنعها "ملاك السلطة" لإضعاف الشعوب تمهيداً لاستعبادها.
وفى رؤية أخرى نرى الدكتور صلاح هاشم يتحدث عن الحكومة النزيهة والمواطن المرتشى، يرى المؤلف أن هناك نقطة فارقة فى مفهوم الفساد بين طرفى العالم المتقدم والمتخلف، هى قيام موظفو الدولة أو كبار المسئولين فيها برشوة المواطن لأغراض كثيرة، أهمها الحصول على السلطة أو البقاء فيها، كأن يشرى مرشح البرلمان أصواتاً لا يستحقها من أجل الحصول على سلطة برلمانية غير أهل لها، ويرى المؤلف أنه رغم خطورة هذا النوع من الرشوة إلا أننا لا نجد عقوبة واحدة لردع من يمارسها.