ربما لا يعرف الكثيرون أن اللواء محمد نجيب، الرئيس الأول لمصر، أراد أن يتطوع فى الجيش المصري، بعد العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956، وأنه قام بإرسال خطاب إلى الرئيس جمال عبد الناصر يطلب منه الموافقة على ذلك، بعد الإطاحة به فى نوفمبر 1954.
ويكشف الدكتور رفعت يونان، فى كتاب بعنوان "محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة؟"، صدر عن دار الشروق للنشر، فى القاهرة، عام 2008، ضمن سلسلة التاريخ: الجانب الآخر: إعادة قراءة للتاريخ المصري، العديد من الكواليس والتفاصيل المتعلقة بالرئيس الأول لمصر بداية من تكوينه وعرض نشاطه السياسى والاجتماعى قبل الثورة، مرورًا بعلاقته بتنظيم الضباط الأحرار وتوليه منصب أول رئيس للجمهورية بعد سقوط الملكية، ورأيه من التنظيمات السياسية، وموقف الثورة من حزب الوفد والإخوان والشيوعيين. وصولاً إلى الصراع الذى أدى إلى تقديم استقالته إلى مجلس قيادة الثورة عام 1954، وحياته فى فترة الاعتقال.
موقف محمد نجيب خلال العدوان الثلاثى على مصر
وعن أحداث العدوان الثلاثى على مصر، يشير الدكتور رفعت يونان فى كتابه، إلى أنه فى ذلك الوقت لم يكن لدى اللواء محمد نجيب ما يستهلك به الوقت سوى متابعة أخبارك معارك السويس والعدوان الثلاثى وكتابة الخطابات، ومنها خطاب كتبه إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فى الخامس من نوفمبر عام 1956، يطلب فيه التطوع كجندى عادى فى جيش مصر للدفاع عن تراب الوطن، وهذا نص الخطاب:
إلى السيد الرئيس جمال عبد الناصر
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد فقد يظن غيركم أنى هازل أو محاول للدعاية لنفسى أو غير ذلك، ولكنكم تعرفون أخلاقي، ومن ميزاتكم الفريدة القدرة على معرفة الرجال كما أن أى رجل شجاع أو أى وطنى صميم يستطيع بسهولة أن يؤمن بصدق ما أكتبه إليكم، الآن:
أريد أن نضرب مثلاً جديدًا على إنكار الذات والتضحية بكل شيء فى سبيل البلاد، أريد أن نقف رجلاً واحدًا ندافع عن الوطن العزيز فى الساحة الحرجة. أريد منك أن تسمح لى بأعز أمنية وهى المشاركة فى أقدس واجب وأشرفه وهو الدفاع عن مصر، فاسمح لى بالتطوع جنديًا عاديًا فى جبهة القتال باسم مستعار وتحت أى رقابة شئت دون أن يعلم أحد بذلك غير المختصين، وإنى أعدك بأثمن بما أملك، أعدك بشرفى أن أعود إلى معتقلى إذا بقيت حيًا بعد انتهاء القتال، وبذلك تغسلون ما لحق بى من آلام، كما تسعدون العدد الكبير من الضباط والجنود المعينين لحراستى والمحرومين مثلى من شرف الاشتراك فى القتال، وتوفرون مبلغًا كبيرًا ينفق على الحراسة، وأنا لا أريد سوى أن أختم حياتى ختامًا شريفًا.
ولو خامركم الشك فيما أقول فإنى مستعد أن أقوم بعمل انتحارى كقيادة طوربيد أو أن أسقط بطائرة أو مظلة محاطة بالديناميت على أية بارجة أو هدف مهم من أهداف العدو. وهذا إقرار منى بذلك.
محجمد نجيب يتبرع للجيش المصرى
ويقول الدكتور رفعت يونان، أن محمد نجيب حينما لم يجد ردًا على رسالته إلى الرئيس جمال عبد الناصر، للمشاركة فى المعركة، قام بالتبرع بمبلغ بسيط هو خمسة جنيهات، كل رصيده فى البنك، فأرسل الشيك رقم 715847 على البنك الأهلى باسم اللواء عبد الحكيم عامر، ولكنه فوجئ برد الشيك إليه ومعه خطاب من القائمقام أحمد أنور يسبه فيه ويسفه دوره فى الثورة ويؤكد أنها ليست فى حاجة إلى أمواله، فقد جاء فى رد أحمد أنور: "أن القوات المسلحة لم تكن بعون الله وبهمة رجالها وبالروح التى بعثتها الثورة من العزة والكرامة التى خلقها زعيمنا فى نفس كل فرد من أفراد الأمة فى حاجة إلى مثل هذا المبلغ، وأن نفسى لتبرأ أن تحيط القائد العام علمًا بتبرعك حتى أبعث فى نفسه اشمئزازًا من تصرف رجل انتسب إلى الجندية وانتسب إلى مصر فى يوم من الأيام، لذا أرى رحمة بك أن أرد تلك القروش فمثلك أولى بها فربما تعوضك عن بعض ما فاتك من البذل والعطاء الذى يبذله أبطالنا اليوم".
ويقول الدكتور رفعت يونان: ويتضح من هذا الرد أن أحمد أنور تعمد إهانة الرئيس نجيب ليرضى قادته الذين أرسل لهم صورًا من هذا الخطاب الذى كان فى الحقيقة موجهًا لهم أكثر مما هو إلى الرئيس نجيب، وكان ذلك فى 21 نوفمبر 1956.
ولما كان ما تضمنه رد أحمد أنور السابق ليس صحيحًا حيث كان محمد نجيب يمر بضائقة مالية بسبب أن صافى معاشه لا يزيد عن 176 جنيهًا يصرف منها على منزله ومطالب أولاده بالمدارس والأدوية لدرجة أنمه قام بتحرير خطاب تحت رقم ق.م/استبدال/2/57 إلى السيد قائد عام القوات المسلحة ووزير الحربية يطلب فيه استبدال 20 جنيهًا من معاشه، وقد عرف أحمد أنور فيما بعد إلى أى مدى كان متجنيًا عليه.