تحيى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بعد غد، اليوم الدولى للشعوب الأصلية 2017 تحت شعار "الذكرى السنوية الـ10 لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية".
واعتمدت الجمعية العامة قبل 10 سنوات فى 13 سبتمبر عام 2007، إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، وهو معلم رئيسى فيما يتعلق بالتعاون والتضامن بين الشعوب الأصلية والدول الأعضاء. وهذا الإعلان هو أشمل صك دولى بشأن حقوق الشعوب الأصلية، ويجسد توافق الرأى العالمى بشأن حقوق الشعوب الأصلية ويضع إطاراً عالمياً للمعايير الدنيا لبقائهم ولكرامتهم ورفاهيتهم، كما أنه يوضح معايير حقوق الإنسان والحريات الأساسية القائمة، حيث انها تنطبق على الحالة الخاصة للشعوب الأصلية. وعلى مدى العقد الماضي، حقق تنفيذ الإعلان بعض النجاحات الرئيسية على الصعد الوطنى والإقليمى والدولي. وعلى الرغم من الإنجازات، لا تزال هناك فجوة بين الاعتراف الرسمى بالشعوب الأصلية وتنفيذ السياسات على أرض الواقع.
ويقدر عدد السكان الأصليين فى العالم بنحو 370 مليون نسمة يعيشون فى 90 بلداً. وهذا العدد أقل من 5% من سكان العالم ولكنه يشكل 15% من أفقر السكان. وهم يتحدثون بأغلب لغات العالم المقدرة ب 7 آلاف لغة ويمثلون 5 آلاف ثقافة مختلفة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بموجب قرارها 49/214 فى ديسمبر عام 1994 أن تحتفل باليوم الدولى للشعوب الأصلية فى 9 أغسطس من كل عام خلال العقد الدولى للشعوب الأصلية فى العالم. وهو تاريخ الذكرى السنوية لانعقاد أول اجتماع للفريق العامل المعنى بالسكان الأصليين التابع للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، التابعة للجنة حقوق الإنسان.
وأعلنت الجمعية العامة عام 1993 السنة الدولية للشعوب الأصلية، كما أعلنت فى العام ذاته العقد الدولى للشعوب الأصلية فى العالم بدءا من 10 ديسمبر عام 1994 بموجب قرارها 48/163 بغية تعزيز التعاون على حل المشاكل التى تواجه السكان الأصليين فى مجالات مثل حقوق الإنسان والبيئة والتنمية والتعليم والصحة. وفى عام 2004، أعلنت الجمعية العامة العقد الدولى الثانى للشعوب الأصلية فى العالم، الذى يمتد من 2005 إلى 2014، وموضوعه هو " عقد للعمل والكرامة".
وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو فى رسالتها، إلى أننا نحيى فى هذا العام الذكرى العاشرة لإعلان الأمم المتحدة التاريخى بشأن حقوق الشعوب الأصلية، ويعد إحياء تلك الذكرى فرصة للسعى إلى إحقاق حقوق الشعوب الأصلية وإعلاء شأن إسهامها الفريد فى تحقيق التفاهم والسلام والتنمية المستدامة، فالشعوب الأصلية تصون ثقافات فريدة وتمارس طقوسها، وتقيم علاقات خاصة مع بيئتها الطبيعية، وتجسد الشعوب الأصلية مجموعة كبيرة من مختلف أشكال التنوع اللغوى والثقافى التى تشكل جوهر إنسانيتنا المشتركة، وتؤدى حماية حقوق الشعوب الأصلية وصون كرامتها إلى حماية حقوق الجميع واحترام روح الإنسانية وماضيها ومستقبلها.
وأضافت بوكوفا، لقد باتت قضية حماية الشعوب الأصلية وضمان رفاهيتها أكثر أهمية مما كانت عليه فى أى وقت مضى، إذ تواجه هذه الشعوب، على الرغم من تنوعها الثقافى وانتشار مواطنها فى 90 بلداً، المصاعب ذاتها المتعلقة بحماية حقوقها بصفتها شعوباً مختلفة عن غيرها . وينتمى 15% من أفقر سكان العالم إلى الشعوب الأصلية، بينما لا يعادل عدد أفراد هذه الشعوب البالغ 370مليون نسمة سوى ما يقل عن 5% من مجموع سكان العالم.
وذكرت بوكوفا أن اليونسكو استهلت فى عام 2002 برنامج " نظم المعارف المحلية ومعارف السكان الأصليين " لمساعدة الحكومات على إيجاد أوجه التآزر المنشودة بين المعارف العلمية ومعارف الشعوب الأصلية. وأصدر المجلس الاستشارى العلمى التابع للأمين العام للأمم المتحدة، فضلاً عن ذلك مذكرة توجيهية بشأن " دور معارف الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية وعلومها فى التنمية المستدامة "، وتتخذ اليونسكو كل ذلك مصدر إلهام لها إذ تعمل على وضع سياستها الجديدة بشأن التعاون مع الشعوب الأصلية لضمان تعزيز تنفيذ إعلان الأمم المتحدة، ولن تقتصر فوائد ومنافع هذا الأمر على أفراد الشعوب الأصلية، بل ستشمل جميع الناس وجميع أرجاء المعمورة.
إن الشعوب الأصلية ورثة وممارسون لثقافات فريدة وطرق تتصل بالناس والبيئة، وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية، فإن الشعوب الأصلية من جميع أنحاء العالم تشترك فى مشاكل مشتركة تتعلق بحماية حقوقها كشعوب متميزة، وقد سعت إلى الاعتراف بهوياتها وطريقة حياتها وحقها فى الأراضى والأقاليم والموارد الطبيعية التقليدية لسنوات، ولكن عبر التاريخ؛ فإن حقوقهم تنتهك دائماً.
ويؤكد تقرير "عالم السكان الأصليين لعام 2017" حول حالة السكان الأصليين فى العالم، الذى صدر بمناسبة الذكرى العاشرة للإعلان الدولى الذى أصدرته الأمم المتحدة حول حقوق السكان الأصليين، وبالتزامن مع هذه الذكرى، عقد منتدى الأمم المتحدة الدائم حول شؤون السكان الأصليين اجتماعه السنوي، الذى أكد فى ختامه أنه على الرغم من تحقيق تقدم، إلا أنه لا تزال هناك تحديات كبرى تواجه الشعوب الأصلية فى إفريقيا.
ويواجه السكان الأصليون وثقافاتهم فى إفريقيا تهديدات خطيرة لبقائهم، هؤلاء السكان هم اليوم موضع تجاهل وإهمال، وقد أصبحوا ضحايا لشركات الأعمال الزراعية والصناعية الكبرى، التى أخذت تجرّدهم من أراضيهم وممتلكاتهم.
وتعتبر قارة إفريقيا هى موطن شعوب أصلية تقدر أعدادها بحوالى 50 مليوناً، من بين مجموع السكان الأصليين فى العالم البالغ عددهم حوالى 270 مليوناً. وهناك تجمعات كبيرة منهم فى شمال إفريقيا، حيث يعيش الأمازيغ (أو البربر). وفى غرب إفريقيا، هناك مجموعات سكانية كبيرة من سكان رعويين فى بلدان مثل النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، والكاميرون وغيرها. وهناك أيضاً تجمعات كبيرة لسكان أصليين فى شرق إفريقيا، حيث يعيش سكان رعويون فى بلدان مثل إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا. كما يوجد سكان أصليون يعيشون على الصيد وجمع الغذاء فى بلدان كثيرة وسط وجنوب القارة الإفريقية، ولو أن أعدادهم تقل عن أعداد المجموعات الرعوية.
وتقول مجموعة العمل الدولية حول شؤون السكان الأصليين، المنبثقة عن منتدى الأمم المتحدة الدائم حول شؤون السكان الأصليين، إنه فى عدة دول إفريقية لا يزال يتعين الاعتراف بشعوب أصلية تعيش فى هذه الدول. كما تشير مجموعة العمل إلى أن سياسات عدد من البلدان الإفريقية، لا تزال تحدد على أساس حجج تقول إن جميع الأفارقة هم سكان أصليون، وإن مفهوم الشعوب الأصلية غير دستورى ويثير انقسامات. وقالت مجموعة العمل الدولية فى تقرير إن عمليات استيلاء واسعة النطاق على أراضى السكان الأصليين، لا تزال تشكّل تحدياً كبيراً فى عدة بلدان إفريقية.
كما أشارت إلى أن المشاريع العالمية لاستخراج المواد الخام، والزراعة على نطاق صناعى واسع، وتنفيذ مشاريع بنى تحتية ضخمة، كل ذلك يدفع بالسكان الأصليين إلى حدودهم الأخيرة. وفى حالات متعددة أدت توترات مع سكان أصليين فى نزاعات مكشوفة، إلى مقتل أشخاص. وبهذا الخصوص، وجهت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، نداءات عاجلة إلى عدد من الحكومات الإفريقية، حول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان يتعرض لها سكان أصليون.
وتقول ماريان ويبن يانسن، مستشارة مجموعة العمل الدولية حول شؤون السكان الأصليين، إن هؤلاء السكان هم اليوم ضحايا عمليات استيلاء على أراضيهم، نتيجة لتوسع أعمال صناعات المناجم، والزراعة على نطاق صناعى، وأنشطة أعمال أخرى، وهذا يؤدى إلى أعمال طرد بالقوة وأشكال أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان.
وأضافت : إن السكان الأصليين فى إفريقيا أيضاً مهمشون اقتصادياً وسياسياً، ولهذا لديهم فقط إمكانات محدودة جداً للتعبير عن تظلّماتهم، والمشاركة فى تقرير مستقبلهم .
وأشارت إلى أنه على الرغم من كل ذلك فإن السكان الأصليين فى إفريقيا أثبتوا قدرتهم على التكيف، ومع أنهم لا يحصلون على أى دعم من حكومات بلدانهم، إلا أنهم لا يزالون يتشبثون بما تبقى من أراضيهم، وينجحون فى البقاء فى بيئات قاسية جداً، وحتى وحشية، معتمدين فى ذلك على معرفتهم بالطبيعة وعلى موارد طبيعية، وكل ذلك يحدث وسط معدلات عنف وتمييز تثير قلق المدافعين عن حقوق الإنسان فى العالم.
فى الوقت نفسه أكدت نافانيثيم بيلاى، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن الشعوب الأصلية تعانى التمييز والتهميش فى الصحة والتعليم، بالإضافة إلى معانتهم من الفقر المدقع، كما أنه يجرى إخلاؤهم قسرياً من أراضيهم، بالإضافة إلى استبعادهم عن اتخاذ أية قرارات بشأن مصيرهم.
وذكر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن الشعوب الأصلية غالبًا ما تواجه التمييز والعنف والإقصاء، كما أنها أكثر الفئات فقرًا فى مناطقهم، وأن ذلك الأمر يشيع فى بلدان إثيوبيا، وأوغندا، وبورما، وتايلاند، وكينيا والفلبين. لافتا إلى معاناة نساء الشعوب الأصلية من التمييز والعنف من المجتمعات المحلية والحكومة على السواء.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الحقوق الصحية للسكان الأصليين مهدرة هى الأخرى، ففى الولايات المتحدة، يفوق احتمال إصابة الأمريكى الأصلى بداء السل احتمال إصابة عامة السكان بحوالى 600 مرة ويفوق معدل احتمال انتحاره معدل احتمال انتحار عامة السكان بنسبة 62 %. وفى أستراليا، يتوقع أن يموت طفل السكان الأصليين قبل نظيره من عامة المواطنين بحوالى 20 سنة. وتبلغ فجوة العمر المتوقع 20 سنة أيضاً فى نيبال، و13 سنة فى جواتيمالا، و11 سنة فى نيوزيلندا. وعلى المستوى العالمي، يعانى ما يزيد على 50% من البالغين فى صفوف السكان الأصليين من الصنف الثانى من داء السكري، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع.
كما خصصت اليونسكو هذا العام لتعضيد حق الشعوب الأصلية فى التعليم، وكانت قد سنت لذلك قوانين تؤكد حق تلك الشعوب فى إنشاء وإدارة النظم التعليمية ومؤسسات توفير التعليم بلغاتها الأصلية، وحقها فى استخدام الطرق والأساليب التى تراها مناسبة للحصول على التعليم، من ضمنها بنود فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية. ورغم ذلك فإن اليونسكو ذاتها تحدثت عن وجود فجوة كبيرة بين المستوى التعليمى للسكان الأصليين والسكان عموما بالنسبة لمعظم الشعوب الأصلية، مؤكدة وجود فوارق ثابتة ومستمرة بين السكان الأصليين وغير الأصليين من حيث الوصول إلى التعليم وتحقيق الإنجاز.
وتسعى اليونسكو إلى تقديم بعض الأنشطة فى مجالات تتعلق بالشعوب الأصلية وذلك عن طريق : تطوير مبادئ توجيهية للشعوب الأصلية/ القبلية تتناسب مع احتياجاتها وتطلعاتها، مما يجمع بين ثقافاتها ولغاتها وأساليب تعلمها ؛ دعم التفكير والعمل من أجل وضع المناهج الدراسية ومنهجيات التدريس التى تراعى حقوق الشعوب الأصلية، وإمكانياتها، وخبراتها وتطلعاتها، لاسيما عن طريق إشراك هذه الشعوب فى العمل الذى يجرى تنفيذه فى هذا المجال ؛ استحداث برامج تعليمية وتدريبية للشعوب الأصلية تتعلق بحقوق هذه الشعوب، واكتساب تقنيات التفاوض، والمهارات القيادية.