"عزيزتى السيدة ميلينا، وأخيرًا توقف المطر الذي استمر ليومين وليلة كاملة، أعلم أنه لربما كان توقفه مؤقتًا، ولكنها مناسبة تستحق الاحتفال، واحتفالى هو بكتابة رسالة لك. أن تمطر السماء ليس بالشيء الغريب هنا، ولكنها لى كذلك فأنا ببلد غريب يبهج القلب، إذا لم تخنى ذاكرتي حين التقيتك أول مرة كان لقاء سريعا، شبه صامت، كنت كا زلت غريبة فى فيينا وأذكر أنك كنت تستمتعين فى غربتك، هل ما زلت تفعلين ذلك؟ رغم صعوبات حياتك فيها، هل تستمتعين؟" هذا الكلام جزء من رسالة كتبها الكاتب الشهير كافكا إلى ميلينا فى أبريل 1920، والتى جاءت ضمن كتاب "فرانز كافكا.. رسائل إلى ملينا" والذى صدرت ترجمته عن دار الأهلية.
وتتميز الترجمة التى قامت بها هبة حمدان، بكونها ترجمة مكتملة، لم يتم حذف أى من الحقائق الذي ذكرت بالرسائل الأصلية، ليتسنى للقارئ أن يعيش قصة حب كافكا وميلينا، ويترقبها لحظة بلحظة، وليستشعر حضور روحيهما بين ثنايا سطورها، فيحس بما أحس به كافكا من توتر وخوف ولهفة وحب وشوق للقاء، وكما سيسمع صوت ملينا فى ردها على رسائل كافكا، رغم عدم وجود هذه الرسائل.
يقول تصدير الكتاب إن كافكا لم يتصرف يوما على سجيته مع الناس، فكان يحب الوحدة ويعيش فى أحلام اليقظة كارها أن يقاطعها أحد، حتى التقى بمن أسرت قلبه "ملينا" تلك الفتاة الألمانية – المسيحية، والتى تعرف عليها بداية كمترجمة لكتبه ورواياته للغة التشيكية، أحب عملها جدا ولقبها بشعلة النار، فهمته كما لم يفعل غيرها واستطاعت أن تجذب قلبه وروحه، فتعلق بها جدا وبدأ يبوح لها بمكنونات قلبه، حتى تطورت علاقتهما إلى شعلة حب متبادلة، فكانت رسائله لملينا تغدق بكلمات روحية وحب عذرى.
حدث هذا رغم العقبات التى وجدت بين فرانز وملينا كاختلاف الدين والقومية، فكاكفا من براغ - يهودى، وملينا ألمانية تشيكية إلا أنهما استطاعا أن يحولا هذه العقبات والاختلافات إلى توافق روحى بعيد عن كل ما يحكم الأجساد من اختلافات، ربما لأنهما كانا يعشقان الاختلاف ويستمعان بإيجاد التوافق الروحى كما يظهر فى رسائلهما.