التاريخ فى مصر يُدرس بشكل متقطع، دون تقديم خلفية حقيقية عن شخصياته بعيدًا عن التفصيل، وهو الأمر الذى يجعل المعلومات منقوصة لدرجة أحيانًا تجعلنا لا نستطيع تقييم الأحداث التاريخية والشخصيات التاريخية بشكل كبير، ومن هنا كانت أهمية كتاب "حوليات مصر السياسية" لأحمد شفيق باشا، رئيس الديوان الخديوى ومدير عموم الأوقاف، حيث قدم الكتاب خلفيات وصورة واقع مصر فى الفترة التى يؤرخ عنها الكتاب فى عشرينيات القرن الماضى.
والكتاب يوضح تاريخ أشياء على مستوى كبير من الأهمية، مثل الحياة النيابية فى مصر فى فترة تاريخية سابقة، من عهد الخديوى "إسماعيل" من عام 1873 حتى عام1892، مستعرضًا طموحاته وإسرافه مع عرض للإصلاحات الإدارية والنيابية وتفاقم الأزمة المالية والتداخلات الدولية وعزل الخديوى.
كما تناول الكتاب أزمة مياه النيل الممتدة حتى الآن، والتى كانت مثارة أيضًا فى ذلك التوقيت، ما يجعلنا نستطيع أن نفهم الأمور، وفهم تاريخ القضايا المحورية فى حياتنا بشكل كبير.
كتاب "حوليات مصر السياسية" رصد تأسيس جماعة الإخوان، ورفع الستار عن تمثال نهضة مصر، وإنشاء جامعة القاهرة، وهى أهم ثلاثة أحداث فى العام الذى يرصده الكتاب حول عام 1928، لما لهذه الأحداث من دلالات رمزية لهذا العام.
ويقدم الكتاب دعمًا قويًّا للحرية والاستقلال ويرسخ لثقافة علمانية، لا تفرق بين أصحاب الأديان كافة، كما تحدث الكتاب عن حرية المرأة، وأن الأمة مصدر السلطات، وهذا يتوافق بشكل كبير مع المفهوم الحديث للنهضة، إلا أن هذه الحولية كان بها بعض السلبيات، منها ترسيخ بعض الأفكار الرجعية التى تناقض معاييرنا للنهضة.
وتحدث المؤلف عن الظروف والملابسات التى شكلت خلالها وزارة "عدلى يكن باشا" التى عرفت "بوزارة الثقة"، مع الإشارة إلى اعتقال "سعد زغلول" ورفاقه ونفيه إلى جزيرة "سيشل"، مع عرض للظروف السياسية التى أدت فى النهاية إلى إصدار تصريح 28 فبراير1922.
أحمد شفيق باشا له العديد من المؤلفات التاريخية، على رأسها الحوليات الثمانى، كما أنه شارك فى ثورة 1919 بعد أن عاد من رحلته فى الخارج، وبعدها شرع فى كتابة حولياته منذ عام 1923 وتوقف سنة 1930 عن كتابة الحوليات، التى كانت بمثابة جهد جبار يدين له العديد من المؤرخين بالثناء.
وأضاف أن الحوليات تكتسب أهميتها من كونها تأتى بالوقائع التاريخية من مصدرها، وهو أهم بكثير مما يقدمه أى مؤرخ آخر.