صدر حديثا، ضمن سلسلة كراسات متحفية التى تصدرها اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمتاحف بدعم من مكتبة الإسكندرية، كراسة المتاحف الإثنوجرافية من تأليف عبد الرحمن عثمان، وهو أمين متاحف بالمتحف القومى للحضارة المصرية.
ويهدف هذا العدد إلى إلقاء الضوء على المتاحف الإثنوجرافية من خلال استعراض التجربة اليابانية، تلك المتاحف التى تلعب دوراً جوهرياً فى صون التراث الثقافى لأى مجتمع وتنميته، كما تعمل على دمج علمين مستقلين فى نشأتهما، وهما علم المتاحف وعلم الأنثروبولوجيا.
ويساهم هذا العدد فى توعية المتخصصين فى مجال المتاحف والتراث بمصر والعالم العربى بأهمية هذه المتاحف وأدوارها ووظائفها تجاه مجتمعاتها، وكيفية إدارة مجموعاتها الإثنوجرافية وفق الاعتبارات الدولية، بغية المحافظة على هذه المجموعات وتطويرها وحفظها للأجيال الحالية والقادمة، وذلك باستخدام الممارسات التطبيقية التى قامت بها المتاحف اليابانية كمسترشد لتطوير متاحفنا الإثنوجرافية المصرية.
المتاحف الإثنوجرافية حول العالم كثيرة ومتنوعة فى الحجم وما تحويه من مقتنيات إثنوجرافية، ورغم اختلافها سواء من حيث الثقافات التى تعرضها أو حتى من حيث محيطها الثقافى فإنها تشترك فى أن مقتنياتها جميعا تعتمد على الدراسات الإثنوجرافية، التى تساعد فى فهم وإنجاز الصور الذهنية للثقافات الإنسانية المحلية والدولية، وتقديم حلول كثيرة لمشكلات ثقافية مؤقتة، فمن خلال طبيعة تلك المتاحف نستطيع أن نقول إنها أصبحت نافذة المجتمعات المعاصرة للتعبير عن قضاياها.
وتهدف المتاحف الإثنوجرافية إلى إبراز نوع من المحاكاة لواقع لم نعشه فى وقتنا الحاضر، تلك المحاكاة التى قد تختلف فى شكل الثقافة الشعبية لكنها تتشابه فى المضمون، ومع ذلك لا نستطيع أن نفصلها عن الواقع الحالى الذى يتغير فى الشكل وليس فى المضمون.
وتعد المجموعات الإثنوجرافية أكثر صعوبة فى الاقتناء، وذلك يرجع إلى أن طبيعة المواد الخاصة بالثقافة الشعبية تتغير من وقت لآخر، سواء فى الشكل أو الاستخدام، علاوة على ذلك فإنها تعتمد على إظهار تلك الاختلافات، لذا تختلف تلك المتاحف الإثنوجرافية عن متاحف الآثار أو الفنون فى أن مجموعاتها ما زالت تستخدم من أصحاب الثقافة نفسها، فى ذات الوقت الذى تعرض فيه المقتنيات داخل سياقها الثقافى، ومثال على ذلك فانوس رمضان الذى يعتبر من أهم المواد الثقافية التى تميز الثقافة الشعبية فى المجتمعات الإسلامية، ومن أهم مقتنيات المتاحف الإثنوجرافية فى المجتمعات الثقافية الإسلامية؛ فحتى الآن يستخدم الفانوس فى الاحتفالات الرمضانية بأشكال مختلفة، يستخدمه الكبار والصغار، الفقراء والأغنياء، يحتفل به كل أطياف المجتمع كل عام، وهو فى ذات الوقت سمة ثقافية ومادة متحفية ثرية يتم عرضها من الزاوية المادية وغير المادية فى ذات الوقت، رغم أن الفانوس قد يكون اختلف شكله الحالى عن شكله فى الماضى، لكن مضمونه ما زال واحداً، وما زالت الممارسات غير المادية المصاحبة له كما هي.
فكلمة إثنوجرافيا تحمل معنى مزدوجاً فى الإنثروبولوجيا. فالوجه الأول لها" كمنتج" مثل الكتابات الإثنوجرافية أو تلك المقالات التى يكتبها الإنثروبولوجيون، والوجه الآخر لها "كعملية" يقوم بها الإثنوجرافيون مثل الملاحظة بالمشاركة والمقابلة والملاحظة كأدوات للدراسة الحقلية الإنثروبولوجية
وهذا المنتج يعتمد على العملية التى تمت بها الدراسة الميدانية. فالدراسة الإثنوجرافية ليست فقط تسجيل الملاحظات الميدانية ووصفها، ولكن الأهم هو تحليل وربط العناصر الثقافية للوصول إلى بناء ثقافى مكون لمجتمع الدراسة.
كما تهتم الإثنوجرافيا بدراسة الظواهر المادية والثقافية للشعوب فى المجتمعات المتباينة فى أزمنة مختلفة، وهى بذلك تلقى الضوء على منتجات الإنسان ومحاولاته لاستغلال بيئته الطبيعية لكى يوفر احتياجاته الأساسية التى تمكنه من التكيف الثقافى مع بيئته. كما ترتبط الإثنوجرافيا بقوة بالإنثروبولوجيا، وكلاهما عبارة عن إجراءات نظرية وتطبيقية متقاربة، ويمثلان معاً مدخلاً علمياً للمعرفة. فالإثنوجرافيا تعتمد على الدراسات الميدانية التى يقوم بها الإنثروبولوجيون؛ حيث تساعدهم فى التعرف على الثقافة الشعبية لمجتمعات الدراسة. لذا فالإثنوجرافيا تعتبر المدخل العلمى للدراسات الاجتماعية التى تعنى بوصف الثقافات الإنسانية المتعددة على أساس علمي.
ويرتبط مصطلح الإثنوجرافيا بمصطلح الإثنولوجيا، وهو الأمر الذى جعل كثيراً من الباحثين فى الدراسات الإنسانية ينظرون إليهما على أنهما وجهان لعملة واحدة؛ فبعض البلاد يستخدم الإثنوجرافيا والبعض الآخر يستخدم الإثنولوجيا. لكن ظهر توجه آخر يرى أن هناك اختلافاً بين المصطلحين؛ حيث يرى أن الإثنوجرافيا يمكن أن تعرف بالدراسة الوصفية لثقافة المجتمع، وفيها يتم دراسة الظواهر الثقافية فى خط أفقى فى مكان محدد. أما الإثنولوجيا فتعرف بأنها الدراسة التى تشمل كلاً من الوصف والمقارنة لثقافات مختلفة، وفيها يتم دراسة الظواهر الثقافية فى خط رأسى فى زمان محدد. وهذا يعنى أن الإثنولوجيا تستخدم منهج المقارنة التاريخية للثقافات الماضية، وتتبع هذه الثقافات عبر الزمن. والإثنوجرافيون يتنقلون من مجتمع إلى مجتمع، ومن ثقافة إلى أخرى فى نفس المجتمع أو غيره ومن موضوع إلى موضوع؛ لدراسة واستكشاف كافة أشكال الحياة الاجتماعية والثقافية؛ ليخرجوا بتعميمات عن السلوك الإنسانى فى الثقافة الإنسانية.
ويميل الإثنوجرافيون فى دراستهم لثقافات الجماعات الإنسانية إلى وصف وتحليل تلك الثقافات بعيون أصحابها وليس بأعينهم، واتباع هذا الاتجاه من الدراسات الإنسانية الثقافية يعرفون بعلماء الإثنولوجيا الإثنولوجيين.
ويضيف الدكتور خالد عزب رئيس اللجنة الوطنية للمتاحف، أن مصر بها عدد من المتاحف الإثنوجرافية التى هى بحاجة إلى دعم فورى وقوى لأهميتها ومنها متاحف الجمعية الجغرافية المصرية التى تضم قطعاً نادرة وتعد من أفضل نوعية هذه المتاحف فى الشرق الأوسط، إذ تكشف عن عادات وتقاليد الشعب المصرى، ومتحف التراث السيناوى الذى أسسته إحدى الجمعيات الأهلية ويعد متحفا يحكى تراث سيناء البدوى بصورة ممتازة ومتحف التراث السيوى الذى يعد من أفضل المتاحف المؤسسة بجهود المجتمع المدنى، وأكد الدكتور خالد عزب أن اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف ستسعى خلال الفترة القادمة نحو تعزيز ودعم هذه المتاحف بقوة.