"ايشيجورو" يكتب بأسلوب شديد الاقتصاد، لا يقدم التفاصيل الضرورية، بل إنه كثيرا ما يقول شيئا، هو يعنى شيئا آخر، كتاباته خليط من الاستعارات المنفصلة والتلميحات والتشبيهات والتداخلات الغامضة بين الشخصيات وهو كاتب مدهش فى تقديم شخصيات ثانوية تحيط بأبطاله فتبرزهم عن طريق العلاقة التى تربطهم معا" هكذا وصف الكاتب والمترجم الراحل طلعت الشايب الأديب البريطانىكازو ايشيجورو، الحائز مؤخرا على جائزة نوبل فى الأدب لعام2017،وذلك فى مقدمته لرواية "بقايا اليوم" والتى قام الأول بترجمته للعربية، والحائزة علة جائزة البوكر مان لعام 1989.
وتدور أحداث الرواية حول تداخل وتقاطع بين الذاكرة الفردية والتاريخ الوطنى من خلال عقل رئيس خدم "ستيفنس" الذى يعمل فى قصر إنجليزى عريق "دارلنجتون هول"، يرى أنه خدم الإنسانية لا لشئ إلا لأنه سخر كل كفاءته وخبرته المهنية لخدمة رجل عظيم "لورد دارلنجتون".
وباستعراض تاريخه فى المهنة يكتشف "ستيفنس" ما يجعله يضع كل شىء موضع المساءلة: عظمة اللورد، علاقته بالآخرين، معنى حياته التى عاشها فى عزلة عن كل شئ باستثناء وظيفته، معنى الكرامة المهنية، الزمن المفقود الذى يحاول استعادته.
وبحسب المترجم طلعت الشايب "إيشجيورو" فى هذه الرواية يرى أن التاريخ والذاكرة للفرد عرضة للانتقاء والكبح والمراجعة بشكل دائم، "الذاكرة بالنسبة للفرد"هى بالظبط كالتاريخ بالنسبة للدولة. ففى أحداث الرواية التى تبدأ عام 1956بقصر "دارلنجتون" أو "دار لنجتون هول"-الذى يستأجره رجل أعمال أمريكى، وعندما يبدأ ستفتنس"رحلته بالسيارة الجديدة-سيارةالمالك الجديد- إلى الريف الغربى، فانه يبدأ الوقت نفسه رحلة معذبة فى الذاكرة.
هنا سيكتشف ما يجعله يضع كل شىء موضع المساءلة:عظمة "اللورد" الذى خدمه بإخلاص وكذلك معنى حياته التى عاشها فى عزلة عن كل شئ مهم باستثناء وظيفته، أما فكرة الرحلة ذاتها فهى بنية ذكية اتخذها "إيشيجورو" ليقول لنا إن البطل كلما كان يبتعد عن قصر "دار لنجتون" إنما كان يقترب من فهم حياتها التى قضاها هناك.
شخصية "ستيفنس" فى هذه الرواية يعكس أفكار وتأملات "إيشجيورو"الخاصة وعدم وضوح الرؤية لديه والتمادى فى السير فى الاتجاه الخطأ. شخصيته مرسومة بعناية فائقة تبرز مزايا وعيوب الطبيعة المتحفظة، فهو شخص رزين محترف يحاول أن يحافظ على النظام والانضباط ومستوى الخدمة الممتاز فى قصر مخدومه، هذه الجهود كلها تفيض على حياته الشخصية وتطغى عليها مخلفة رجلا غامض أجوف.
ويقدم الكاتب لنا فى الرواية أيضا رجل سياسة أمريكيا وهو "مستر فراداى" ويرسم شخصيته بمعالم واضحة لكى يظهر التناقض بين الثقافتين، هذا الدبلوماسى،المالك الجديد للقصر،يأتى بعد صاحبه الإنجليزى الذى لطخ وجه إنجلترا بالعار بالتأييد النازى.
يقول المترجم طلعت الشايب عن الرواية: "بقايا اليوم مثل كل الأعمال الإبداعية الكبرى، عمل عضوى متماسك، متكامل الأجزاء، كل مشهد وكل شخصية تضيف إلى الصورة الكلية وتبرزها، وأسلوب الكاتب المحكم يناسب موضوعه تماما، كما هو مناسب لشخصية الراوى الذى يسافر بسهولة بين المراحل الزمنية المختلفة.