فى بداية الأمر ظهر الاستنساخ البشرى كتهديد غامض دون أن ندرك تحديداً ماهيته الحقيقة، أصبح يصيبنا القلق بل والرعب أحياناً، هل سيتم التعامل مع الجسم البشرى باعتباره شيئاً ما؟ هل سيتم إعادة إنتاج الكائن بصورة طبق الأصل؟ هل يمكن تصور وجود عدة نسخ من إنسان واحد؟ هل سيسمح بذلك؟ هل يجب علينا منعه؟ هذه الأسئلة وغيرها يطرحها كتاب الاستنساخ البشرى الذى صدرت ترجمته عن المركز القومى للترجمة تأليف هنرى أتلان ومارك أوجيه وميراى دلما-مارتى وروجيه - بول دورا ونادين فرسكو ومن ترجمة مها قابيل ومراجعة عزت عامر.
والهدف الذى قصده مؤلفو الكتاب هو الوقوف على حقيقة وضع الاستنساخ اليوم، حيث لا غنى عن تعاطى التحليلات المختلفه فى مختلف فروع المعرفة عند تناول قضية الاستنساخ البشرى، فالكتاب يهدف إلى توضيح المفاهيم الأساسية حول الاستنساخ وفتح نقاش عام بشأن القضايا الأخلاقية والعلمية المتعلقة به، ويتميز بعرض وجهات نظر تخصصات مختلفة حول هذه القضية.
ويعرض الكتاب الذى يأتى فى 191 صفحة وخمسة فصول، فكرة الاستنساخ البشرى، حيث قررت مجموعة من العلماء التصدى لهذا الموضوع بالشرح والتفصيل من الناحية البيولوجية وتناول كل جوانبه القانونية والفلسفية والرؤية الانثربولوجية له وكذلك النظرة التاريخية. وتأتى الفصول الخمسه على هذا النحو: "ممكنات بيولوجية ومستحيلات اجتماعية"، "يقين القانون وشكوكه"، "الهوية المضطربة"، "أشخاص بلا نسل" و"احتجاجات وتأقلم".
ويرى الكتاب فى الفصل الخاص بالبيولوجيا عن تجارب تم إجراؤها توضح كيف تطورت فكرة الاستنساخ والدوافع وراء التجارب، ويتوقف كثيرا متأملا أخلاقيات هذا العمل والنتائج المحتملة التى قد تنتج عنه والتى قد تكون كارثية على المستوى الإنسانى وكيف أن هذا العمل سيغير فى مفهوم البنوة وكيف سيخلق مشاكل خاصة بالهوية، كما يتعرض لقضية براجماتية الاستنساخ –أى إنتاج فرد لأغراض معينة – ومعاناة هذا الفرد المنتقصة حقوقه ونظرة المجتمع الدونية له.
وفى فصل القانون يؤكد الكتاب، أنه يجب حظر تكاثر الكائنات البشرية عن طريق الاستنساخ فهى تجد تعارضًا بين قضية الاستنستاخ ومبادئ حقوق الإنسان، وتفند مقولة اللجنة الاستشارية الوطنية للأخلاق، أن استبدال الإنجاب بالنسبة للجنس البشرى بطريقة توالد تلجأ إلى تقنيات الاستنساخ سيشكل على المستوى البيولوجى والرمزى والفلسفى خللا كبيرا يضر بشكل كبير بكرامة الشخص، كما توضح أهمية اللجوء لقوانين حقوق الإنسان، حتى نتجنب إمكانية تقديم الطعون على القوانين المحلية والدولية وأبطال عملها، ثم تتطرق لمعنى الإنسانية ومنه إلى مفهوم الجريمة ضد الانسانية ،وتتجه الى فحص النصوص التى تحظر انتهاك الكرامة الإنسانية.
وفى الفصل الخاص بالفلسفة يسخر روجيه بول دورا من فكرة العامة اتجاه الاستنساخ والمكتشفات العلمية عموما، حيث يتصورون أن اكتشافا علميا محليا قادر على تغيير شكل العالم بأكمله، أما فصل الهوية فيناقش دورا فكرة الهوية والتمييز بين الشخص ذاته والآخر، وفكرة تطابق الشخص المستسنخ مع آخر استنسخ منه، وجدلية الافتراض بأن شخصا مطابقا وراثيا لشخص آخر سوف يكون له نفس الحياة والأفكار والسيرة الذاتية، أما الفصل الخاص بالتاريخ تتحدث المؤلفة عن بداية صناعة الأطفال بعيدا عن التناسل الجنسى، والمخاوف المتعلقة بفشل محاولات استنساخ البشر، وتطرح تساؤلا مهما عن مصير الكائنات المشوهة التى سوف يتم إنتاجها فى المستقبل.