لا أتخيل أبدا أن تسمح مصر فى عام 2016 بتضييع مستقبل كاتب شاب، بمحاكمته عن مشهد أدبى فى أحد كتبه -لم يصدر سوى كتابين - فى أدب الرواية، والسماح بإلقائه فى السجن عامين، لمجرد أن أحدهم قرأ صفحة مجتزأة من كتابه منشورا فى صحيفة أدبية متخصصة، لا يصل حجم توزيعها إلى هذه الضخامة المستفزة، فهى ليست صحيفة من الصحف المستقلة التى تطبع على الأغلب خمسين ألف نسخة، بل حسبما كشفت مصادر لى فى الأخبار، أن ما يتم طبعه من الصحيفة محل القضية هو 10 آلاف نسخة، أى أن أخبار الأدب، بوصفها صحيفة أدبية متخصصة، لا يشتريها فى الأغلب سوى خمسة آلاف، أو سبعة آلاف وكلهم من جمهور الأدب، الذى يقرأه، أو الذى يكتبه، أو الذى يتابعه وينتظر نشر قصة أو قصيدة أو مقال عن كتاب له، أو مقال عن كتاب كتبه.
لا أتخيل أبدا أن تتحول مصر فى عام 2016 وسط إطلاق دعوات لتجديد الخطاب الديني، وغيرها من الدعوات، إلى بلد المصائد، للكتاب والمبدعين، والفنانين، بلد المصائد والكمائن، فكل من لم يعجبه رأى يتقدم فى صاحبه ببلاغ للنائب العام، وكل من لم يعجبه قول، يتقدم فى صاحبه ببلاغ، وكل من لم يعجبه عمل أدبى، وكل من لم يعجبه لوحة، وكل من لم تعجبه قصيدة، وكل من لم تعجبه قصة، وكل من لم تعجبه رواية، يتقدم فى أصحابها ببلاغات إلى النائب العام.
ومن يطارد القتلة المجانين، المعتوهين، ممن يرتدون بزات رسمية، وغير رسمية، يقتلون الناس فى مشاجرات بالصدفة، ويقتلون الناس إرضاء لغطرسة، ويقتلون الناس تجبرا وتكبرا؟
من يطارد نهابى المال العام؟ أين يجلب وكلاء النيابة وقتا للتحقيق مع الفسدة والمفسدين، إذا كان كل وقتهم سيقضونه فى التحقيق مع القصائد والقصص ومؤلفى الكتب الأدبية؟ لماذا يتفرغ جهازنا القضائى للتحقيق فى بلاغات خدش الحياء العام، وازدراء الأديان، بينما البلاد والعباد ينتظرون العدالة والقصاص ممن قتل، وممن سرق، وممن اغتصب الأراضى، وممن دبر المؤامرات وتقاضى الرشاوى لتمرير وحدات سكنية وقطع آراضى بالمخالفة لقوانين المناقصات؟ أليست هذه قضايا أجدر أن يتم التحقيق فيها؟
لا أعرف كيف يتم التحقيق فى قضية مع مبدع ولدينا نص المادة 65 من الدستور التى تقول "حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
ما كتبه الروائى أحمد ناجى، ونشره فى كتاب، هو عمل أدبى، خيالى، غير مستمد من الحقيقة، ولا ينطبق على الواقع، ولا يقصد به أبدا الهجوم على الواقع، ولا يقصد به أبدا النيل من الواقع، بل محاولة رصد بعض ظواهر هذا الواقع السلبية، لا يقصد أحمد ناجى، وأى مبدع، فيما يكتبه، أن يسىء أبدا إلى أى إنسان على هذه البسيطة، لأنه ببساطة لا يكتب لشخص مقصود، بل يكتب عملا أدبيا يضاف إلى المكتبة المصرية والعربية، وقد لا يتحدى الزمان، فتسقطه الذائقة الأدبية من حسبانها، لأن ببساطة ما يكتب للأعمال الأدبية الخلود هو ما حملته من قيم فنية وجمالية، وليس إساءتها للواقع المصرى، أو لأى شخص.
محاكمة رواية أحمد ناجى، "استخدام الحياة" وإلقاء كاتبها فى السجن لا يحافظ على الحياء العام، ولا يحميه، كل المتسكعين فى الطرقات يحملون أسلحة بيضاء، ينتظرون المارة فى زوايا الشوارع المظلمة فى ساعات متأخرة، ويطالبونهم قسرا بأموالهم ومتاعهم يهددون الحياء العام.
محاكمة رواية أحمد ناجي، أستخدام الحياة، وإلقاء كاتبها فى السجن لا يحمى الحياء العام، بل ما يحميه هو مطاردة النصابين، الذين يدعون على الدولة، وعلى الشرفاء، أنهم حفظوا القرآن الكريم، ثم نكتشف الكذبة، حينما تعلن أحدى الدول أنها لم تكرمه، وأنه لم يحفظ القرآن.
محاكمة رواية أحمد ناجى، استخدام الحياة، وتضييع مستقبل كاتبها فى السجن عامين لا يحمى الحياء العام، بل يهدده مشاهد التطرف الأصولي، التى تحرم على جنودنا الأقباط إطلاق أسماء شهداءهم على المدارس، على الرغم أنهم استشهدوا فى مهمة وطنية، فى سيناء.
محاكمة رواية أحمد ناجي، استخدام الحياة، وإلقاء كاتبها فى السجن، لا يحمى الحياء العام، بل إن الحياء العام ينتهك كل صباح، على ألسنة سائقى الميكروباصات، الذين يتبادلون الشتائم المقذعة المسيئة بينما يقلون فى عرباتهم زوجاتنا وشقيقاتنا، وبناتنا، يتبادلون أقذع الألفاظ فى الشارع، بينما نحن نهرع لمحاكمة سطور خطها كاتب فى صفحة من كتاب، يصل سعره إلى 90 جنيها.
كتاب أحمد ناجى الصادر عن دار تنوير، "استخدام الحياة" لن يكون بمقدوره خدش أى حياء عام، لكن الآن، بعدما تم الزج بصاحبه فى السجن، صارت الصحف تكتب عنه، وصارت المواقع تتناقل قصته، صار الأصدقاء يتناقلون على المنتديات نسخة إليكترونية من الكتاب، أنا نفسى لم أشتريه حينما عرفت سعره، وطلبت مبادلته مع الكاتب بنسخة من إحدى كتبي، ثم لم نلتق للأسف، بعدما بدأت معمعة القضية، لكننى أكتب هنا وأعلن تضامنى معه، كتاب أحمد ناجى الذى حاكمتوه بتهمة خدش حياءكم العام، صار الآن مشهورا، ويتناقله الناس، ويقرأونه أكثر من ذى قبل، هل حققتم الآن هدفكم بحماية الحياء العام؟