صدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمى كتاب (تاريخ علم الصوت.. تطور الصوتيات وإسهام العلماء العرب والمسلمين فيها، للباحث الدكتور سائر بصمه جى، والكتاب جديد فى بابه وموضوعه ومن هنا تأتى أهميته.
وبشكل عام كانت بداية العلماء العرب فى تطوير علم الصوت قائمة على أسس سليمة، فقد بدأت بمرحلة الأخذ ثم التطوير ثم الإبداع، بعد إنهاء هذه الدراسة الموسعة توصلنا للنتائج الآتية – المبنية على ما وصلنا من مصادر ومراجع- التى يمكننا تصنيفها إلى ثلاث مراحل:
أولاً: مرحلة الأخذ
1- كان هناك اهتمام عربى بظاهرة الصوت قبل الإسلام وذلك لوجود الموسيقا والحاجة للتعامل مع مفاهيمها الأساسية التى أخذت عن الأمم السابقة، ثم إزداد هذا الأهتمام مع مجئ الإسلام وبرز بشكل واضح بصورته الفيزيائية بعد انتشار الترجمات اليونانية.
2- وصف العلماء العرب وصفًا تشريحياً للأذن الخارجية والوسطى وبعض أجزاء الأذن الداخلية مع ذكر لوظيفة كل جزء من هذه الأجزاء، بحسب اعتقادهم، ويكاد يكون هناك شبه اتفاق مع اليونانيين على هذا التقسيم الثلاثي.
3- لم يقدم العرب أى جديد حول طبيعة الصوت، بل كانوا متأثرين بما قدمه اليونانيون، وقد إنقسموا على قسمتهم:فريق يؤيد الطبيعة الجسمية للصوت وآخرون يناصرون الطبيعة الروحانية للصوت.
4- لم يدرس العلماء العرب ظاهرة الرنين، التى نعرفها اليوم، وإنما قصدوا بالرنين فى نصوصهم مفهوم الترداد الصوتي، المستخدم فى الصوتيات المعمارية الوارد عند الرومانيين.
ثانياً: مرحلة التطوير
1- حاول معظم العلماء اعتماد تقديم الأمثلة الموضحة للموضوع الذى تناولوه. وذلك باعتماد الظواهر المنظورة أو المعروفة والشائعة لعموم الناس. كان بعضها مأخوذاً عن اليونانيين، والبعض الآخر من ملاحظاتهم الشخصية وخبراتهم.
2- فى البحث عن أسباب حدوث الصوت توصل اليونانيون إلى أنه لابد أن يكون الجسمان القارع والمقروع صلبين حتى يتولد الصوت، فى حين أن العرب عالجوا إمكانية حدوث الأصوات عن الأجسام غير الصلبة ( الرخوة) ونجحوا فى إضافة حالة جديدة لم يعرفها اليونانيون.
3- قاموا بإضافة بعض التصحيحات لبعض وظائف الأعضاء.
4- كانت بعض آراء العرب تتفق مع ما جاء به اليونانيون حول تفسير آلية السمع والبعض تختلف.
5- أطلق اليونانيون الفكرة الأولية لموضوع الحركة الموجية للصوت، وتابعها الفلاسفة العرب وقبلوا بها وقاموا بتطويرها، فقد ضلوا بين حركة التموج الهوائى والصوت، كما أنهم ربطوا بين الحركة الموجية والزمن.
6- أدرك العرب أن الصوت يحتاج لوسط ينتشر فيه كما أدرك ذلك قبلهم اليونانيون، لكنهم أشاروا لعدم إمكانية انتشاره فى الأثير، وذلك نظراً للخواص التى يتمتع بها ويختلف بها عن طبيعة كل من الماء ( كحالة سائلة ) أو الهواء ( كحالة غازية ).
7- حقق العرب تقدماً مهما فى تصحيح علاقة أرسطو فى السرعة وفهمهم لها عند تطبيقها فى كل الموضوعات التى عالجوا بها سرعة الصوت.
8- أكد معظم العلماء العرب تأييدهم لفكرة أن سرعة الصوت أقل من سرعة الضوء مخالفين بذلك رأى أرسطو ومتفقين مع رأى ثيوفراسطس.
9- تناول العرب انعكاس الصوت، بوصفه خاصية أساسية موجودة فيه وبطريقة مختلفة عن الطريقة التى عالج بها اليونانيون هذا الموضوع.
10- لاحظ اليونانيون صفة درجة الصوت بشكل سطحى جداً بخلاف العلماء العرب الذين خاضوا فيها بحثًا وتدقيقًا وتفصيلاً، فأدركوا الأسباب الكامنة وراء هذه الصفة، وأثر هذه الأسباب المباشرة على خواصها.
11- لامس اليونانيون صفة درجة الصوت بشكل سطحى جداً بخلاف العلماء العرب الذين خاضوا فيها بحثاً وتدقيقاً وتفصيلاً فأدركوا الأسباب الكامنة وراء هذه الصفة وأثر هذه الأسباب المباشرة على خواصها.
12- كانت معالجة العرب لأسباب وشروط حدوث الصدى أفضل بكثير من ملاحظ اليونانيين لها، فقد حاولوا تفسيرها اعتماداً على النظرية الموجية، والبحث فى عامل المسافة بين الحاجز والصوت إضافة لرصدها فى أماكن أخرى غير الجبال والوديان، كآبار المياه وملاحظة الصدى الذى يتكرر أكثر من مرة.
13- لدى مقارنتنا بين النموذج اليونانى الذى طرحه أرسطو لتفسير ظاهرة الرعد والبرق مع آراء العلماء العرب وجدنا اتفاق بعض العلماء العرب معه وخرج البعض على أفكاره وتقديمهم لأفكار جديدة.
14- مع وجود فريق كبير من العلماء العرب الذين تأثروا بنظرية فيثاغورس بوجود أصوات لحركات الكواكب، فإ ن بعضهم قد رفض القبول والتسليم بهذه النظرية.
15- مع أن اليونانيين قد أسسوا علم الموسيقا، فإن العرب هم أصحاب الفضل فى تعريفه وإرساء قواعده وترتيب مفاهيمه التى تركمت على مر العصور.
16- البيئة العربية غنية بالحيوانات التى يمكن دراسة أصواتها، أو تأثر جهازها السمعى بالأصوات، لذلك لم يقف العرب على ما جاء به أرسطو بل جربوا بأنفسهم واختبروا وصححوا ما وقع به من الأخطاء.
17- لم يقدم العرب – بحسب المصادر التى عثرنا عليها – الكثير فى مجال الصوتيات المعمارية وقد تفوق عليهم اليونانيون والرومانيون فى ذلك.
18- تنبه العرب إلى مسألة التلوث الصوتى وقد شدد الدين الحنيف كثيراً فى معالجة الضجيج بكل أشكاله لما فيه من ضرر وأذى للأسماع.
ثالثاً: مرحلة الإبداع
1- اعتمد العرب على مصطلحات صوتية مختلفة تفردوا بها عن غيرهم كما فى مصطلحات ( القرع والقلع ) ،و ( الحدة والثقل )، و( الرطوبة واليبوسة ) وغيرها. محاولين توضيح مفاهيمها وهو الأمر الذى يدل وجود منظمة اصطلاحية خاصة بهم، وإن لم يكن المصطلح متطابقاً تماماً عند جميع العلماء، كما هو الحال فى مصطلح ( الرطوبة واليبوسة ) وهذه سنة من سنن المصطلحات وانتقالها من فوضية العموم إلى دقة الدلالة.
2- بالنسبة لملاحظة خاصية الاتجاهية فى الأذن، فإننا لم نعثر على أى نص يونانى أو غيره يؤكد ملاحظة هذه الخاصية قبل ملاحظته على يد العلماء العرب.
3- خرج العرب على رأى أرسطو فى حاسة اللمس، وعلى رأى جالينوس فى حاسة السمع وذلك بوضعهم مركز السمع فى الصماخ وليس فى الدماغ مباشرةً.
4- لم يؤكد اليونانيون إمكانية انتشار الصوت فى الماء وذلك خلافاً للعرب الذين قرروا إمكانية ذلك نظراً للتشابه فى الخواص بين الماء والهواء.
5- تفرد العرب بتقديمهم لوثيقة علمية، تناقش موضوع انتشار الصوت فى الأجسام الصلبة دون غيرهم من الحضارات السابقة.
6- تفوق العرب على اليونانيين فى المجال التجريبى الصوتي، ففى حين عثرنا على تجربتين للعرب، فإننا لم نعثر على أية تجربة مماثلة أو مختلفة لليونانيين ( باستثناء تجربة فيثاغورث).
7- درس العلماء العرب بعض العوامل التى تؤثر على شدة الصوت والتى لم يتعرض لها اليونانيون، كالمسافة بين السامع ومصدر الصوت وتغير شدة الصوت بحسب اتجاه الرياح، بالإضافة لتنبههم لطاقة الصوت التدميرية وأثرها فى الكائنات الحية والجمادات.
8- قدم لنا العلماء العرب تصنيفاً علمياً دقيقاً للطرائق التى يمكن أن يحدث عنها الصوت، وميزوا فيما بينها وهو مالم يفعله اليونانيون من قبل.
9- فصل العرب فى الحالات التى يضمحل بها الصوت، محاولين رصد العوامل المؤثرة عليه وهو مالم يفعله اليونانيون أو الرومانيون.
10- رصد الجغرافيون والرحالة العرب بعض الظواهر الصوتية الغريبة أثناء تجوالهم فى البلاد، فمنهم من اتبع المنهج العلمى بالتعامل مع الظاهرة وحاول أن يعرف حقيقتها، وهم قلة. ومنهم من دونها على علاتها دون تمحيص أو تدقيق، وهم الغالبية.
11- ابتكر أولاد موسى بن شاكر لآلة تسجيل الصوت واستعادته ( بشكله الموسيقى والناطق ) منذ القرن التاسع للميلاد. إذ لم تذكر لنا المصادر والمراجع المتخصصة فى تاريخ العلم والتقنية وجود آلة تقوم بتسجيل الصوت، ثم تعيده إصداره بنفس الترتيب الذى سجلت به، قبل العرب.
12- توصل العلماء العرب إلى تصميم آلات وأدوات موسيقية استخدموها فى آلاتهم الميكانيكية لإضفاء الحيوية عليها، أو بغرض التنبيه، كما أنهم عرفوا آلالات الناطقة التى تخزن الأصوات البشرية فيها.
إذا قارنا بين المراحل الثلاث نستنتج أن ما قدمه العرب من إسهامات فى تطوير وإبداع فى علم الصوت هو أكثر بكثير مما أخذوه أو تأثروا به عن اليونانيين. وهذا كفيل بضرورة إبراز دورهم الحضارى الفعال فى هذا العلم.