"فوق الحياة قليلا"، و"الحالة دايت"، روايتان فى كتاب واحد صدرتا مؤخرا للروائى والناقد سيد الوكيل. الرواية الأولى يدور موضوعها حول حياة المثقفين، وتجمعاتهم فى مقاهى وسط القاهرة، ورحلات اغترابهم النفسى والمكانى والملابسات التى ترتبط بحياتهم الشخصية وكتاباتهم.
وتعتبر الرواية الثانية بمثابة الوجه المقابل للرواية الأولى، فهى تتناول هذه المرة مواجهات المثقفين للموت فى صوره المختلفة، سواء الموت النفسى والأدبى أو الموت الفيزيقى وأفكارهم التى سجلوها عن الموت فى رواياتهم وقصصهم وقصائدهم، وبهذا المعنى فإن الروايتين تمثلان حوارية سردية بين الحياة والموت والكتابة، فتبدو أقرب إلى سوناتا من ثلاث حركات.
واللغة التى يستخدمها سيد الوكيل على الرغم من بساطتها، تمر بثلاثة مستويات أيضا لتأكيد الطابع الإيقاعى للسوناتا، فتتراوح بين الرهافة الشعرية، والسخرية الخادشة، والنزعة التحليلية للشخصيات.
وفى الحالة الأخيرة، تنزع اللغة إلى التأمل فى مصائر الشخصيات وتناقضاتهم، وعذاباتهم وهم يتوزعون بين الواقع والخيال. كما تذهب الحركة الأخيرة من رواية "الحالة دايت" إلى لغة النقد الأدبى ليصل إيقاع اللغة إلى أعلى مستوياتها مباشرة ووضوحا، ويسميها الكاتب مارش الوداع، غير أن الرواية، فى كل مستوياتها، تظل ملتبسة بنفس الروح الشجية التى نراها فى المستوى الشعرى ليبدو مثل خلفية جنائزية. وإذا كانت اللغة تلعب دورا مؤثرا ومتباينا فى السرد، فإن حضور الشخصيات التى يتناولها سيد الوكيل هو العنصر البارز فى الروايتين.
الطريف أن الشخصيات حقيقية، وبنفس أسماء أصحابها من الأدباء والشعراء المعروفين وعبر أجيال مختلفة، من بينهم إبراهيم أصلان وإدوار الخراط ومحمد مستجاب، ونعمات البحيرى ونجيب محفوظ الذى يحتل مساحة سردية كبيرة.
جدير بالذكر أن هذا التناول لكتاب معروفين أثار احتجاج البعض، واعتبروها نوعا من الجرأة، لكن سيد الوكيل يؤكد أن للخيال دورا فاعلا فى رسم الشخصيات، لكنها مكتوبة بدرجة من الصدق الفنى الذى يجعل البعض يعتقد أن كل ما ورد فى الرواية حقيقة، كما أن اللغة التى كتبت بها كل شخصية مستلهمة من روحها وحركتها فى الحياة كما رآها، سواء تميزت بطابع السخرية اللاذعة، أو الشعرية الرهيفة.
الروايتان تثيران الكثير من الجدل حولها، فهما تتمتعان بروح تجريبية جريئة وجانحة، حتى أنها تربك النقاد فى تصنيفها، فهى تتراوح بين السرد القصصى والسيرة الذاتية، والكتابة التسجيلية ويقول عنها الناقد مصطفى الضبع إنها تجربة غير مسبوقة فى السرد، ويمكن تسميتها بالوثائقية الجديدة.