صدرت فى القاهرة ترجمة عربية لكتاب لم يترجم من ذى قبل لإدوارد وليم لين عن مدينة "القاهرة فى منتصف القرن التاسع عشر" الكتاب صدر عن الدار المصرية اللبنانية، وهو من ترجمة الدكتور أحمد سالم.
وفى الكتاب يذكر الدكتور أحمد سالم عن إدوارد وليم الذى ولد فى السابع عشر من سبتمبر عام 1801م فى مدينة هرفورد Hereford على بعد حوالى 166 ميل غربى لندن، لأب كاهن حرص على تنشئته نشأةً دينية؛ ثم التحق فيما بعد بمدارس متخصصة لدراسة اللغات المتعلقة بذلك مثل اللاتينية واليونانية، وهو ما جعله ملمًا بالأدبين الإغريقى والرومانى، وألمّ بعد ذلك باللغات السامية، وكان أهمها بالنسبة له اللغة العبرية لغة العهد القديم، وعلى الرغم من أنه كان يَعُدُّ العُدَّة للالتحاق بجامعة كامبردج Cambridge إلا أنه فى النهاية تخلى عن تلك الفكرة، ربما لأن طموحه العلمى كان قد فاق كل ما يتعلق بالسلك الأكاديمى، فانكب على القراءة وظهر منذ ذلك الحين ميله الشديد لكل ما هو شرقى فقرأ كل ما دونه الرحالة عن الشرق، وأخذ فى دراسة اللغة العربية قبل عام 1822م، وكانت قراءته لقصص ألف ليلة وليلة ذات تأثير كبير عليه، تعدى تأثيرها على الغرب برمته منذ صدور ترجمتها الأولى بين عامى 1704- 1717م على يد أنطوان جالان Antoine Galland (1646- 1715م)، فاتخذ قراره بالرحيل إلى الشرق ومصر خاصة، لما فيها من الجمع بين الماضى والحاضر.
كانت رحلة لين الأولى إلى مصر بمثابة رحلة استكشافية دامت ثلاث سنوات (1825- 1828م)، حاول فيها مسح البلاد مسحًا كاملاً؛ إذ كان فى شوق عارم لرؤية كل شبر فيها ومخالطة كل سكانها، وعبر عن ذلك بقوله: "كنت على وشك أن أقذف بنفسى كلية بين غرباء عني، وسط شعب سمعت عنه الكثير من الأخبار المتناقضة". مع ذلك لم يقض جُلَّ وقته فى الاستكشاف بل أخذ يدون ملاحظاته ويخط رسوماته التى سيستعين بها فيما بعد. ولك يكتف لين بالرؤية فحسب – كما يفعل أى أوروبى زائر- بل تداخل مع السكان كواحد منهم فاستطاع أن يتفهم دقائق لغتهم الدارجة وآدابهم وعاداتهم الاجتماعية وطريقة تفكيرهم، وساعده على ذلك ملامحه الأقرب شبهاً للملامح العربية. وقد أشار ستانلى لين بول Stanley Lane Poole أن لين كان يقصد فى رحلته الأولى- على خلاف غيره- أن يُفصل معالم البلاد؛ إذ لم يحاول أحد من قبل أن يصور فى مجموعة متماسكة أقاليم مصر وآثارها وأحوال شعبها، وهو أمر يستلزم جهدًا شاقًّا متواصلاً ومهارة فائقة.
عاد لين إلى إنجلترا عام 1835م بعد أن أتم مادة كتابه "المصريون المحدثون"، فعكف على ترتيبه وإعداد قوالب لوحاته التى كان يقوم بحفرها بنفسه، وإضافة لمساته النهائية حتى ظهر الكتاب للنور عام 1836م، فأحدث دويًّا هائلاً بين أوساط المتخصصين وغيرهم على حد سواء، وأضفى على لين شهرة كبيرة فى مجال الاستشراق، وكان هذا من الأسباب التى جعلته الوحيد فى ذلك الوقت المؤهل لترجمة "ألف ليلة وليلة" ترجمة جديدة خالية من التزييف والتصحيف الذى شاب الترجمات السابقة، وكان سببًا فى نقل صورة مشوهة عن الشرق، وبالفعل عكف على هذا العمل بعد أن طُلب منه القيام به، وما لبث أن ظهر فى أجزاء شهرية بين عامى (1838- 1840م).
والكتاب الذى ترجم له مؤخراً يعد أول كتاب بعد كتاب الحملة الفرنسية يتحدث عن مدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى عصر المؤلف.
وكان هذا الكتاب جزءاً من مخطوط "وصف مصر"، الذى كتبه لين أثناء رحلته الأولى، وقد اعتزم فى بادئ الأمر الاحتفاظ بما كتبه عن وصف العاصمة لعمل مستقل، لكنه على ما يبدو قد غير خطته فيما بعد فقام باستخلاص ما يتعلق بالقاهرة من مخطوطه وزاد عليه بقصد إلحاقه بكتابه "المصريون المحدثون"، إلا أنه استبعد ذلك فى آخر الأمر مكتفيًا بإلحاق بعض الفقرات بذلك الأخير تحوى وصفًا عامًا لشوارع القاهرة، وظل كتابه عن القاهرة مخطوطًا غير منشور حتى عمد ابن أخته ريجنالد ستيوارت بول Reginald Stuart Poole إلى إعادة نسخ مخطوط خاله وتنقيحه عام 1847م تحت سمع وبصر لين، وهو نفس المخطوط الذى سلمه ريجنالد بول إلى ستانلى لين بول قبيل عام 1896م ليقوم الأخير بنشره على الفور بعد عشرين عامًا كاملة من وفاة لين بعنوان: "القاهرة منذ خمسين عامًا “Cairo Fifty Year Ago”، أى منتصف القرن التاسع عشر. وهذا ما جعلنى بعد مرور مائة وعشرين عامًا أخرى أضطر إلى إحداث تغيير طفيف على هذا الاسم الذى أطلقه ستانلى بول ليصبح "القاهرة منتصف القرن التاسع عشر".
ترجع أهمية هذا الكتاب –كما يشير مُعِدُّه- إلى عرضه صورة واضحة للقاهرة عام 1847م من خلال عين خبيرة ودقيقة كعين لين، استطاعت بحنكة التقاط بداية التأثير الغربى ونفاذه إلى المدينة، والفصل الدقيق بين كل ما ينتمى فى الأصل إلى المدينة العربية الإسلامية وكل طارئ مستحدث عليها، هذا بالطبع غير وصف الكثير مما اندثر أو تغيرت معالمه على مر الزمن، إضافة إلى ذلك الأسلوب المنهجى التسلسلى الذى اتبعه لين فى وضع الكتاب ومحتواه، وهو ما تأثر به كثيرًا ستانلى بول نفسه فى وضع كتابه الخاص عن القاهرة بعد ذلك ببضع سنوات تحت عنوان: “The Story of Cairo” ونشره فى لندن سنة 1902م، وهو الكتاب الذى نقله إلى العربية سنة 1950م كل من حسن إبراهيم حسن وعلى إبراهيم حسن وإدوارد حليم بعنوان: "سيرة القاهرة".
ينقسم الكتاب إلى عشرة فصول، حاول المؤلف بإيجاز فى أول فصلين منها ذكر أهم ما يتعلق بنشأة المدينة وتطور حواضرها القديمة التى تتابعت منذ نشأة الفسطاط مرورًا بالعسكر والقطائع حتى إنشاء القاهرة، ثم تطورها وامتدادها بعد ذلك فى العصرين الأيوبى والمملوكي، اعتمادًا على ما ذكره المقريزي. ومن الفصل الثالث بدأ فى وصف المدينة الحديثة، بداية من بولاق وهو ميناؤها على النيل حتى المدينة نفسها بأسوارها وأبوابها، ومن الفصل الرابع أخذ فى تقسيم ما سيتم تناوله داخل المدينة، بداية من قلعة صلاح الدين وتأسيسها وأهم المبانى التى تشمل عليها؛ ثم شوارع المدينة ودروبها وحاراتها ومتاجرها ومنازلها وأسواقها، يلى ذلك أهم المساجد داخل المدينة ثم أهمها خارج المدينة، وفى الفصل الثامن تحدَّث عن المقابر والجبانات، وأفرد الفصل التاسع عن جزيرة الروضة، واختتم الكتاب فى الفصل العاشر بالحديث عن مصر العتيقة وأهم مبانيها القديمة كجامع عمرو وقصر الشمع.
لم يقم ستانلى بول عند إعداده للكتاب بإدراج أية صور مما كان قد رسمه لين وألحقه بكتابه "وصف مصر"، عدا خريطته الأصلية التى رسمها لقاهرة العصور الوسطى، وهذا ما يشكل عقبة تحول دون استيعاب الوصف الذى أسهب فيه المؤلف فى بعض المواضع، فالصورة تكون أحيانًا أبلغ من الكلمات. حتى وإن لم يستطع الوصول لهذه الرسوم كان عليه استبدالها ببعض الرسوم الأخرى التى تثرى النص وتكمل معناه. من هنا حاولت إكمال هذا النقص قدر المستطاع بانتقاء ما يربو على المائة وسبعين شكلاً بين خرائط ولوحات Painting ورسوم بالحفر Engraving وصور فوتوغرافية Photograph من بين آلاف الصور والرسوم، تصور بدقة أكثر ما قام المؤلف بوصفه.
حرصت قدر الإمكان أن تكون هذه الصور قريبة من زمن المؤلف، فالصورة فى حد ذاتها وثيقة لا تقبل الشك. واستعنت فى سبيل ذلك بالكثير من كتب الرحالة والرسامين وكتالوجات المصورين ومجموعاتهم، بل وبالمجموعات الخاصة ومن ضمنها ما قمت بجمعه من صور وبطاقات بريدية Post Card على مدى سنوات يرجع الكثير منها إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ضمت صورًا متفردة فى ندرتها يُنشر الكثير منها لأول مرة. وقد حرصت على توثيق هذه الصور قدر المستطاع بذكر مصدرها أو اسم من رسمها أو صورها فضلاً عن تاريخها، فإن لم أستطع التوصل لتاريخ محدد ذكرت الفترة التى ترجع إليها الصورة، مثل أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل الق5رن العشرين، فهذا على ما أعتقد يفيد الباحثين بشكل كبير فى تجديد التغير أو التطور الذى طرأ على معالم المكان فى فترة زمنية محددة.
خدع كثير فى إدوارد وليم لين بول الذى أعد للحكومة الإنجليزية كتاب "وصف مصر" اختصره فى كتابه الذى ترجم منذ سنوات بعنوان "المصريون المحدثون" وفى حقيقة الأمر لم يكن إدوارد إلا جاسوسًا إنجليزيًا، خدم وطنه بتقديم معلومات وافية عن مصر والمصريين فى إطار إعداد بريطانيا لغزو مصر.
من هنا يأتى مؤلفه الذى لم يترجم بعد إلى العربية وتعكف مكتبة الإسكندرية على ترجمته ككتاب يكمل صورة مصر فى عصر أسرة محمد على بوصفها تفصيليًا، موضحًا المتغيرات فى حياة المصريين.