تمر، اليوم، الذكرى الثانية لرحيل الكاتب الكبير إدوار الخراط، الذى توفى يوم 1 ديسمبر 2015.
ولد إدوار الخراط فى الإسكندرية سنة 1926، ويعرف بكتاباته الحداثية فى كل المجالات ومن أشهر رواياته "الزمن الآخر" ورامة والتنين" وأضلاع الصحراء" و"الغجرية ويوسف المخزنجى" وله أيضا مجموعات قصصية منها "حيطان عالية، اختناقات العشق والصباح".
ويحسب لـ إدوار الخراط أنه استطاع أن يخرج علينا بشخصيتى "رامة وميخائيل" وأن يحولهما إلى أيقونة فى الشخصيات الأدبية.
يقول فى رامة والتنين "علمنى حسّى بفقدانك أننا نحب وحدنا، ونموت وحدنا، واستشرقت أنه ليس حتى فى الموت برءٌ من الوحدة، بعد حياة الوحشة المحكوم بها علينا، نحن نموت، ولا نجد فى الموت نجدة، ولا نلتقى فيه بأحد، الموت يطوى الكتاب ويغلقه ويكرّس ختمه".
المعروف أن هذه الرواية صنفت ضمن من أفضل مائة رواية عربية، ترصد أحداثها قصة حب بين ميخائيل ورامة، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية.
وتتناول الرواية من خلال الحوار بين الأبطال عمق التجربة الإنسانية والصراع والخوف الذى ينتاب الإنسان طوال حياته، فالرواية تتشابك بين الأسطورية والواقعية وتحتوى على أبعاد فلسفية وعقلية، وتدور أحداثها فى مصر فترة ستينيات القرن الماضى وسبعينياته.
يذكر أنه بعد 16 عاماً من صدورها، أصبحت ثلاثية، حيث صدر الجزء الثانى لها رواية "الزمن الآخر"، والجزء الثالث رواية "يقين العطش".
الرواية وصفها الكاتب والمترجم والناقد المسرحى المصرى، سامى خشبة، بأنها مأساة مصرية، وقال عنها "عندما كتب إدوارد الخراط هذه الرواية، إنما كتبها من منطلق واضح فيها كل الوضوح، حول تجربة الحب الضائع، التى يعيشها مثقف مصرى قبطى تكونت ثقافته باعتباره «قبطياً» ينظر إلى الأشياء، وإلى تاريخ مجتمعه ولغته، من منظور فهمه الخاص لتاريخه الذاتى".
يتشابك الزمن فى الرواية فيصبح الماضى والحاضر شيئاً واحداً، كما تداخل المشاعر الإنسانية بشكل يثير الشجن فى نفس القارئ، يقول "ميخائيل" بطل الرواية أن الحب حالة من الوحدة لا شفاء منها ويصف شعوره : "والحب؟ الحب كذبة.. هو الشهوة العارمة للخلاص من الوحدة، الاندفاعة التى لا تتوقف نحو الاندماج والاشتعال المزدهر لكنه يدور أيضاً فى الوحدة، وينتهى بتكريسها، أكثر علقماً من الموت، نحن نحب وحدنا، الحب أيضاً وحدة لا شفاء منها".
ويواصل "الخراط" رصده لمشاعر الحب الممتزجة بالحيرة والخوف من عدم الوصل وفقد البطل لمحبوبته، فـ"ميخائيل" الذى يحاول بكافة الطرق أن يعيش مع حبيبته ولكن كيف وهى المسلمة، فالمجتمع الذى يعيشون به لا يسمح بذلك، ويصف "ميخائيل" مشاعره قائلاً:
"أنت عندما تفقد شيئاً تعرف أنه لن يعوض، لا يعوض، وترفض مع ذلك، ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شئ حى متوفر بالحياة ضد ما يحمل إليه الموت، ترفض، كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، فى داخلك. الفقدان هناك قائم، شئ ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذى يغلف حياتك نفسها، لا أمل أبداً فى استرداده، عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياع الذى لا يحتمل، وأن تعيش معه، لماذا تعيش؟ أنت ترى نفسك ميتاً، وتعيش مع الموت، وتحمله معك، وتصبر عليه، وتعانيه، أنت تحمل ميتاً فى داخلك، والميت هو أنت أيضاً. قبر متحرك يوارى هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن".
وتأتى نهاية تلك الحكايات دائما بنزيف الدماء من قلوب العشاق، فالواقع والرواية ليسوا منفصلين تماماً بل ممتزجين أيضاً مثل امتزاج كل العناصر التى يستخدمها "الخراط" فى رواياته، واستسلم البطل ودفن حبه بقلبه ورحل بعيداً قائلاً لحبيبته " إننى أواجه الألم المتصل، حتى اليوم الأخير، من غير درع، من غير تغطية، من غير تبرير".