هناك جوانب إيجابية يمكن رؤيتها فى أزمة الكاتب أحمد ناجى المحكوم عليه بالسجن سنتين بتهمة خدش الحياء بعد نشر فصل من روايته "استخدام الحياة" فى أخبار الأدب، هذا الجانب الإيجابى يتمثل فى تضامن المثقفين معه بالمبادرات والمقال والكتابات الرافضة لسجن الكاتب ونعرض لعدد من هذه المقالات:
جاء مقال الدكتور خالد منتصر الذى نشر فى جريدة الوطن بعنوان "مفاجأة: كتب البخارى ومالك والغزالى فيها ألفاظ جنسية صريحة.. فهل ستدخل زنزانة أحمد ناجى؟".
ويذكر "منتصر" فى مقالته أن "لأعمال الأدبية والفنية لا تحاكم بمنطق الحلال والحرام ولكن بمنطق الجودة والرداءة، ولذلك الحكم على رواية أحمد ناجى إذا كانت رديئة هو نقدها وبقسوة حتى لو بالإعدام الفنى وليس الحكم بسجن أو بإعدام المؤلف، والتاريخ سيهملها إذا كانت لا تنتمى للفن وسيخلدها إذا كانت فناً حقيقياً وخيالاً أصيلاً كما خلد «ألف ليلة» برغم كل ما فيها من ألفاظ جنسية صريحة، لكن يبقى فى النهاية أن الرواية تحاكم بمنطق الفن وليس ببوليس الآداب".
وبعنوان نظرية تطور "الحياء العام" عنوان مقال مايكل عادل الذى نشر فى موقع +18
ففى الظرف الحالى لا يليق بنا أن نبدأ كلامنا بعبارة قائلة: “قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير ضد حسنى مبارك ومنظومته الحاكمة بعد سنوات من تقييد الحريّات والفساد المالى والجريمة الحكومية المنظّمة”، تلك العبارة التى أصبحنا نستخدمها يومياً فى تفنيد الردّة العجيبة التى نشعر بها على مستوى الحريّات العامة وحريّة الإبداع والفكر وإبداء الرأى.
ومن المعروف أن كُل السلطويات مهما كانت توجّهاتها وأيدولوجيّاتها، فإنها دائما ما تجنح إلى استخدام الأخلاق والأعراف كأداة لمخاطبة الجموع وفرض سيطرة وهميّة من خلال قضبان هلاميّة تُسمّى “الأخلاق”. كلمة ذات معانٍ مطاطة يستخدمها من يفتقدها قبل من يتحلّى بها، من أجل أهداف عدّة، ربما يأتى على رأسها نَيل التصفيق وتسوّل التصديق الأعمى من كل مَن سجن نفسه فى ذلك السجن الشفّاف.
«العدالة الناجزة» تقتل الأدباء هذا كان عنوان مقالة حسن عبد الجواد بموقع "مبتدا " .
وجاء فى مقال حسن "العدالة الناجزة، التى كنت أتصور أنها محض "إكلشيه" من فرط بطء إجراءات التقاضى، تكتب نهاية درامية لكاتب لا يملك سوى أحلامه.
هنا تُغدق "العدالة" كرمها على القتلة والإرهابيين وتمنحهم مزيداً من الوقت والأمل، فيما تكون حادة ومتطرفة وسريعة ومخيفة وناجزة جداً وهى تواجه المبدعين.
لم يتاجر أحمد ناجى بقضيته، وكان يمكنه أن يلجأ إلى دولة خارجية، خصوصاً وأنه كان منذ أيام خارج مصر، كما ذهب بقدميه إلى قاعة المحكمة وهو يعلم أنه قد لا يرى النور مرة أخرى، وهو ما حدث فعلاً، حيث تم الحكم عليه بعامين حبساً".
الآن لا أريد أن أتحدث عن إلغاء القوانين المقيدة للحريات، ولا تعارض الدستور معها، فكل الكلام الكبير لا معنى له، وأشعر فعلاً بألم بالغ لأن كاتباً الآن يواجه مصيرًا مظلمًا.. كاتبًا كان حتى ساعات قليلة يمارس حياته البسيطة بين العمل والكتابة صار ممنوعًا من ممارسة تلك الحياة، لسبب غريب ومدهش، أنه أقدم على الكتابة.
أما مهند أبوغوش عنوان مقالته "لماذا ما يصحّش كده؟" الذى نشر فى موقع مدى مصر
وصلنى خبر حبس ناجى مساءً، أثناء مظاهرة تضامن مع صحفى فلسطينى يدخل اليوم التسعين لإضرابه عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله الإدارى بلا محاكمة، وكان بعض المتظاهرين الذين أسعدتهم الذائقة بالقراءة لناجى فى هذا الجزء من العالم قد تناقلوا الخبر بما يشبه وقوع الطامّة. ولسبب ما، بدا الأمر لى مُخجِلًا.
ما يثير الأسف والحيرة فعلا (أقول هذا من دون أية نية مبيتة، وبخجل حقيقى) أن هامش التعبير حتّى هنا، أى تحت الاحتلال، أوسع مما هو عليه فى مصر. هذا يعنى أن مصر أيضًا واقعة تحت احتلال، هكذا من دون ماكياج. وهذا يذكرنى بما قاله لى ناجى ذات مرة: "لو استمرت الأمور كده، واضح إن إحنا اللى هنطلب لجوء سياسى عندكو". مع حفظ الفروقات طبعًا، فالنظام السياسى هنا يريد بسط سيطرته، فى المجمل، فى الحيّز المادّى: فعلى الأرض أن تنبسط تحت الحذاء العسكرى والبلدوزر، وعلى البشر أن يعملوا فى ورشات بناء المستوطنات ومصانعها، وفى الليل، بعد انتهاء الوردية، بإمكانهم أن يقولوا ما يشاؤون. النظام فى مصر مختلف تمامًا، لأنه يريد بسط نفوذه أيضا على ما وراء الفيزيائى، فهو يرغب بالنفاذ، بحسب بورديو، إلى الكلام، إلى التربية، وإلى أشكال الإقناع الصامتة. نظام الجنرال فى مصر ليس احتكارًا للعنف المادى وحده، كما هو الحال فى بقية أرجاء هذا العالم. فالدولة المصرية ترغب أيضًا فى احتكار البذاءة.
وآدم يس مكيوى يكتب: شبرحون عبد الشنفكرير بموقع +18
أتذكر أنه بعد ثورة 25 يناير بفترة وجيزة فى عام 2012 فى فورة الإنعاظ العام، قام إنسان ما برفع قضية على عادل إمام يتهمه فيها بازدراء الأديان، وذلك لأنه تفوه بألفاظ فى مسرحية “شاهد مشافش حاجة” التى عرضت فى نهايات السبعينيات، رأى فيها هذا الرجل أثابه الله وأكثر من أمثاله أنها تمثل تعديا على لفظ الجلالة، وخاصة فى إفيه ” شبرحون عبد الشنفكرير”، وقتها قمت بالذهاب لقاعة محكمة لأول مرة فى حياتي، وقتها فكرت فى نصح الكائن الذى قام برفع القضية على عادل إمام أن يطالب بمنع أفلام إسماعيل يس، لأنها تحتوى على إفيهات تسخر من النصوص المقدسة مثل “إنا اسفهناكم” و”خلق فشلفط”، أو يحاكم رفات فريد شوقى الذى خرج مع ليلى رستم فى حوار يقول إنه يتناول يوميا فى غير أيام التصوير ثلاثة أقداح من الويسكي. ردهات متسخة بها العديد من الرائحين والغادين وأتى فى بالى خاطر، ربما هذا الرجل هو نفسه شبرحون عبد الشنفكرير الذى يلاحق الناس فى كل مكان رافعا عصاه مثل المطوع السعودى بتشجيع من الدهماء والغوغاء، الذى يطرب أذانهم المتسخة بالشمع خطاب الأخلاق، أوليس مرتضى منصور أحد دعاة الأخلاق فى بلادنا؟!
ناس فى بؤس مدقع ينتظرون أن تعطف عليهم السماء بالفرج، الذى لا يأتى إلا بطلوع النفس، وعساكر غلاظ يدفعون الناس، ورائحة صنان عبقت المكان، ومحامون متسربلون بالرداء الأسود، ومرواح علاها التراب والعنكبوت تئز فى الأسقف.. نظرت داخل القاعة المزدحمة حيث تلمح القضاة بالكاد جالسين على منصتهم، أمامهم العديد من الأوراق، بينما بسبب إنعدام الصوت يقف أمامهم عدة محامين منهم المدعى ومنهم محامى المتهم، يقومون بعرض بانتومايم صامت، ثم يسكت القاضى، أحاول أن أتبين ملامحه وسط الضجيج، وصوت المرواح والبشر والأوراق الطائرة فى الهواء.. فيم يفكر هذا الرجل الآن؟ هل سيعطى براءة أم سيدين عادل إمام على إفيه قاله من أكثر من 30 سنة؟ الرجل أعطاه براءة، وهلل البعض وانزعج البعض الآخر، لكن لمّ أعطاه حكما فى أول درجة؟ لمّ من الأساس تحال هذه القضايا الركيكة إلى محاكم وينظر فيها وتسمع مرافعات وتهدر أوقات وتضيع سنون من عمر البشر فى هذا البله والعبث؟.
وذكرعبده البرماوى فى مقالة " اعدموا ناجى!" بموقع +18
لقد مرت عيناى المؤمنتان بنص مفزع، احتشدت سطوره بكل فاحش من تعبيرات الجنس البواح، وأوصاف يشيب لها الولدان الأبرياء، فى كتاب وياللغرابة، يقال إنه مختص فى السيرة.
هل تتصورون عدالتكم أن كاتبا يدعى ابن كثير يورد فى سفر مخصص لسرد تاريخ الإسلام فحشا صرفا كالذى سيلى؟ ذلك الابن كثير فى معرض سرده أحداث السنة الحادية عشرة للهجرة ضمن قسم من أقسام السفر المعنون “البداية والنهاية” يضّمِن محاورة شعرية بين شخص يدعى مسيلمة الكذاب وامرأة تسمى سجاح المتنبئة. وهذا نصه:
“يقال: إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها؟ فقالت : وهل يكون النساء يبتدئن؟ بل أنت ماذا أوحى إليك؟ فقال : “ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا”. قالت : وماذا؟ فقال: “إن الله خلق النساء أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فنولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا”، فقالت: أشهد أنك نبى. فقال لها: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومى وقومك العرب؟ قالت : نعم.
أما محمد صالح كتب "الإخوان يحكمون"
لازالت فكرة الدولة الإسلامية التى بشّر بها حسن البنا وسيد قطب، وجاء لتطبيقها بعد عقود البلتاجى والعريان والكتاتنى ومرسى تحيا بيننا وتتمدد وتنتشر انتشار النار فى الهشيم، فالدولة الإسلامية فكرة، وداعش فكرة، والقاعدة فكرة، وبن لادن والزرقاوى والبغدادى أفكار، وليسوا أشخاصا. والأفكار لا تموت.. إنها أفكار تعيش داخلنا وحولنا وبنا.. أفكار نراها فى كل نقاب، وفى كل رد على “صباح الخير/الفل/الورد” بـ “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”، مع نظرة تأنيب واستنكار لتحية الصباح المصرية غير الإسلامية.. نراها فى كل ملصق إسلامى داخل وزارة العدل وسط ميدان لاظوغلى فى قلب القاهرة.
إن الدولة الإسلامية تصارع الدولة المدنية داخل مؤسسات الدولة المصرية، فى كافة الوزارات وعلى كافة المستويات..الصلاة فى أماكن العمل، رفع الآذان وتوقف العمل رسميا أثناء الصلوات، افتراش الشوارع وإغلاقها لأداء صلاة الجمعة فى عرض الشارع العام، استخدام الإذاعة الداخلية لمرفق مترو القاهرة فى إذاعة الآذان، إقامة زوايا صغيرة داخل كل محطة مترو أنفاق بغرض الصلاة.. حكم محكمة جنح بولاق أبو العلا بحبس الكاتب الصحفى أحمد ناجى عامين فى قضية خدش الحياء العام لنشره فصلا من روايته “استخدام الحياة” فى عدد جريدة أخبار الأدب.
ونشر زياد إبراهيم مقاله بموقع +18 " عزيزى المواطن الشريف.. ديك أم حياءك"
يحكى أن مواطنا شريفا أشتكى لمواطن شريف تانى، إن فيه مواطن غير شريف اسمه أحمد ناجى كتب رواية بعنوان “استخدام الحياة”، استخدم فيها ألفاظا لأعضاء جنسية كلنا عارفينها، خدشت حياء بنت المواطن الأولانى.
جه المواطن التانى، طلب من الأولانى إنه لازم ياخد حق بنته، ويرفع قضية ضد ناجى، فاتحبس سنيتن، ولا تعقيب على أحكام القضاء.
التعقيب الوحيد اللى القانون يسمحلى بيه، هو إنى اسأل المواطن الشريف الأولانى عن شوية حاجات مهمة عشان أرتاح واطمن إن بلدنا ماشية على الطريق اللى ح يوديها فى ستين داهية.
هى جملة “ديك أمك” اللازمة لـ”مرتضى منصور”، مخدشتش حياء بنت حضرتك، طيب مجتش تسألك يعنى إيه ديك أمك يا بابا اللى سيادة المستشار بيرددها ليل نهار!
بلاش مرتضى منصور، كم السب واللعن المعروض ليل نهار مخدش حياءك، مقعدتش ولا مرة أنت وبنتك على كافتيريا، ومجاش حد من الشباب الصغير الذى لم يتجاوز العشرين وشنف آذانك وآذان بنتك بأبشع الألفاظ.
أغانى المهرجانات لأولاد سليم اللبنانين، والمواصلات مخدشتش حياءك!، موظفين الحكومة مخدشوش حياءك!، الصرف الصحى مخدش حياءك، العيشة واللى عايشنها مخدشتش حياءك!.
خلينا نسألك سؤال تاني، لما أحمد موسى قاعد ليل نهار فى الفضاءيات يستهيفك وعرض فيديو للعبة فيديو جيم، ده مخدش حياءك!
أما مقال " كتابات غير لائقة" لأحمد عبد الله السيد بجريدة المصرى اليوم
لقد قرأ مواطن فصلًا من رواية ناجى فى مجلَّة أدبيّة هى «أخبار الأدب»، فشعر أن أخلاقه وتقاليده المجتمعية قد أُهينت، ولم يجد مفرًا «لحماية نفسه» من أن يتقدم ببلاغ للنائب العام ليطالب بحبس الروائي. ثمّ وجدَت النيابة لاحقًا أنّ مطلب المواطن مطلب معقول، فأُرهق الروائى ليجد نفسه متهما فى القضيّة بين النيابات والمحاكم لشهور، قبل أن يجد ناجى نفسه محكومًا عليه بالسجن لمدة عامين.
السجن شاق جدًا، ليس فقط لأنَّنا فى مصر، أو لأنّنا نعلم المهانة التى يتعرض لها السجين أيًّا كانت فعلته، بل ببساطة لأنه يقوم على مبدأ سلب الحرية. وفى ظنّى أنّ هذه الحريّة هى أثمن ما نملكه. هذه الحرية قد نصَّ عليها دستورنا الذى وافق عليه الأغلبيّة المصوِّتة من الشعب المصري، والذى يجزم فى مادة من مواده «ألا توقَع عقوبة سالبة للحرية فى (الجرائم) التى ترتكَب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبي». وفى حالة قضيّة ناجى، نحن أمام منتج أدبى هو روايته، وإن اعتبر البعض أنَّ ما تحتويه هو «جريمة»، وطالبوا بعقوبة الحبس. ونزعوا عنها صفتها الأدبية لابتسار كلمات على لسان بطلها، لكن تظل حقيقة الوضع: هى رواية، منتج أدبى.
البعض لا يؤمن بحرية التعبير إلا عندما تعبِّر عما يُحب، فيرى أن استخدام ألفاظ جنسية فى عمل أدبى هو أمر غير لائق وربَّما جريمة فى حد ذاتها، ولا يجد حرجًا من المطالبة بزجّ الكتَّاب فى السجون لكتم هذا النوع من التعبير وإن كان يسمعه فى شوارع مدينته طوال اليوم. هذه فكرة لا يمكن لعقلى أن يستسيغها أبدًا، وقد تجاوزتها الأمم من عقود، باستثناءات قليلة كنت أرى مصر قد تتعفف من أن تكون بينها، ولم أود أن أشهد معاملة المؤلفين والكتاب والفنانين كما فى دول لم نكن نحب أن نتشبه بها، لكن للأسف، هذا هو الوضع الآن، والتوسع فى عقوبات الحبس بات غير مسبوق، وكأن «الإنسانية» ارتأت فجأة أنَّ حرمان شخص من نور النهار، ومن دفء فراشه، ومن وجوده بين أصدقائه وأحبائه وأهله، ومن مشاريعه وأحلامه، ومن أيامه وسنوات عمره، هو عقاب مقبول ومستساغ لأفعال لم يرضَ عنها جزء من المجتمع.