"كانت مصر قبل عام 1882 موطنًا لجذب الجاليات الأجنبية وذلك فى أعقاب النهضة الشاملة، التى عمت البلاد على يد الأسرة العلوية خلال القرن التاسع عشر، والذى شهد دورًا ملموسًا للجالية الفرنسية فى مصر على مختلف الأصعدة سواء العسكرية أم الاقتصادية أم العمرانية والتى ظهرت ثمارها جلية عهد الخديوى إسماعيل فحظيت الجالية الفرنسية وضعًا مميزًا داخل المجتمع المصرى إلى أن احتلت بريطانيا – عدو فرنسا التقليدى- مصر"، هكذا تحدث الكاتب الدكتور نوريس محمد سيف الدين فى تقديمه كتابه "الجالية الفرنسية فى مصر 1882 – 1956"، والصادر عن دار الوثائق القومية.
ويتناول الكتاب تاريخ الجالية الفرنسية ونشاطاها الاجتماعى فى مصر منذ الاحتلال البريطانى وحتى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، الذى شاركت فيه فرنسا، واعتمد الكاتب فى دراسته عل العديد من المصادر والمراجع المتنوعة التى جاءت على رأسها مجموعة الوثائق غير المنشورة الموجودة بدار الوثائق القومية والتى مثلت ركيزة أساسية فى أمداد الدراسة بصورة دقيقة للاحوال الاجتماعية للجالية الفرنسية.
ويوضح الكتاب إلى إن التواجد الفرنسى فى مصر بدأ منذ القرن السادس عشر، واستطاعت مجموعة كبيرة من الجالية الفرنسية الاستمرار بفضل نظام الامتيازات الأجنبية المعمول به فى ذلك الوقت، والذى شجع التجار الفرنسيين على القدوم وممارسة تجارة التزانزيت، وذلك عن طريق نقل بضائع الشرق والهند إلى أوروبا عبر الأراضى والموانى المصرية.
كما وضح الكاتب إلى تعلق الوالى محمد على بفرنسا وانتصارات نابليون، وأدرك حينها أن مصر بحاجة شديدة إلى التحديث وعمل تغيييرات جذرية فى البلاد، وكان هناك وسيلتين لذلك، إنشاء المدارس الحديثة والبعثات التلعيمية، حيث استعان بالفرنسيين من ذوى الخبرة فى العملية التعليمية والإدارية للأشراف على المدارس، وأرسل البعثات العملمية إلى هناك.
وأوضح الكتاب إلى أن الجالية المصرية كانت لها إسهامات فى العديد من المجالات من بينها الصحافة حيث أصدر الفرنسيون العديد من الصحف فى مصر، بالإضافة إلى إنشاء مجمع اللغة العربية، والتى جاءت للإمام محمد عبده على غرار الأكاديمية الفرنسية، وبعد إنشائه عام 1933 كان من ضمن أعضائه عدد من الفرنسين، بالإضافة إلى نشر لثقافتهم المسرحية.
وحول أثر الثقافة الفرنسية على المجتمع المصرى يرى المؤلف أن الفرنسيين نجحوا فى نشر لغتهم فى المجتمع، حيث ظلت اللغة الأولى فى بعد العربية فى المكاتبات الرسمية، كما أن الثقافة الفرنسية كانت مصدر إلهام للعديد من المفكرين المصريين مثل مصطفى عبد الرازق وعثمان أمين، نجيب الحداد، طه حسين، توفيق الحكيم، محمد حسين هيكل".
وأشار الكاتب إلى أن اهتمام المراة بالثقافة الفرنسية جعل ذلك يظهر الاهتمام بمسالة تعلم المرأة، كام ساعدت العديد من المجلات الثقافية النسائية فى نشر الثقافة الفرنسية بين نساء المجتمع المصرى، خاصة فيما يخص فن الاتيكيت وفن المعاملات.