صدر حديثًا عن المركز القومى للترجمة، برئاسة الدكتور أنور مغيث، بمناسبة احتفال وزارة الثقافة بمئوية جمال عبد الناصر، الطبعة العربية من كتاب "ناصر" تاليف أناتولى أجاريشيف، ومن ترجمة سامى عمارة، وتقديم هدى عبد الناصر.
ويتحدث الكتاب عن التغييرات التى حدثت بعد ثورة 23 يوليو، خاصة بعد تحديد الملكية الزراعية فى سبتمبر 1952، وتعميم مجانية التعليم، كما يتناول الكاتب موضوع تأميم قناة السويس والعدوان البريطانى الفرنسى الإسرائيلى على مصر فى العام 1956 بشيء من التفصيل، ثم تأميم القناة، ثم التحديات التى واجهها، موضحا الكثير من التفاصيل الخاصة بالعدوان الثلاثى، وغيرها من اللحظات الدقيقة، والوثائق المهمة التى تجلى الحقيقة أمام القارئ، ثم يسرد الزيارة الأولى لعبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتى، وانطباعاته، وحرارة استقبال السوفيت له، وأيضا يوضح وقوف الاتحاد السوفيتى بجانب مصر بعد عدوان 1967، حيث ساندها طوال حرب الاستنزاف، حتى استطاع الجيش المصرى عبور قناة السويس فى سيناء السادس من اكتوبر 1973.
ويتناول الكتاب المترجم عن الروسية، حياة الزعيم جمال عبد الناصر، ويتعرض من خلال ذلك إلى وجهات نظر مهمة، عن تحول مصر فى عهده - وللمرة الأولى - إلى عنصر فاعل وإيجابى فى السياسة الدولية، بعد أن كانت مجرد عنصر من عناصر السياسة العالمية، وكيف أصبحت الثورة المصرية بضربها المثل للشعوب المضطهدة بشأن قدرتها على التصدى بشكل فاعل لسيطرة الامبريالية، علامة مهمة على طريق الصحوة الهائلة لحركة التحرر الوطنى فى أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفى العالم العربى على وجه الخصوص، حيث غدا الشعب المصرى دافعا قويا لعملية التحرر الوطنى فى البلدان العربية، مثل حرب التحرر فى الجزائر، وحصول تونس والمغرب واليمن الجنوبية والسودان على الاستقلال، والثورة فى العراق وليبيا والتحولات التقدمية فى سوريا، كما يسرد الكتاب كيف لعب ناصر دورا فذا فى خلق واستقرار حركة عدم الانحياز، وفى تعبئة البلدان العربية للتصدى لسياسات إسرائيل التوسعية.
وبحسب الدكتورة هدى عبد الناصر، فإن هذا الكتاب يضيف كثيرًا إلى عبد الناصر، خاصة من زاوية محايدة تستند باستمرار إلى الوثائق والمقابلات، ولا تنسى فى الوقت نفسه النواحى الإنسانية.
وتقول الدكتورة هدى عبد الناصر فى مقدمة الكتاب: "هذا الكتاب بذل فيه أناتولى أجاريشيف مجهودا كبيرا فى جمع المعلومات وتحليلها، ومحاولة الوصول الى فلسفة كل مرحلة من حياة عبد الناصر فى طفولته وشبابه، قبل الثورة، ثم بعد أن وصل الى قمة السلطة. لم يتوقف عند الأحداث، وإنما تعمق أكثر فى الأسباب والدوافع، ثم النتائج بما تحويه من نجاح وإخفاق، فلقد نجح أجاريشيف فى فهم التاريخ المصرى المعاصر والمجتمع الذى نشأ فيه عبد الناصر، بل وعقلية العرب فى القرن العشرين، وعبر عن ذلك كله بأسلوب شيق يدفع القارئ الى الاستزادة حتى آخر الكتاب"، واستطردت: "أعرف أن هذا قد تطلب مجهودا كبيرا فى القراءة والمقابلات، ومما يجعل موضوع الكتاب صعبا هو أن عبد الناصر ما زال موضع جدل دائر فى مصر والعالم العربى حتى الآّن، بل وإن الهجوم عليه أصبح رمزًا لمعاداة مبادئه الأساسية فى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وأيضا اهتم المؤلف بتجربة تطبيق الاشتراكية فى مصر، والتى تختلف عن الماركسية - على الرغم من أن عبد الناصر قد قرأ مؤلفات ماركس ولينين - كما اهتم أجاريشيف بالماركسيين المصريين وأثرهم فى برنامج ثورة 23 يوليو، ولكنه لم يتعرض للازمة التى حدثت ما بين عبد الناصر والشيوعيين العرب عموما بعد الوحدة المصرية–السورية، واشتراط عبد الناصر الغاء الاحزاب ومنها الحزب الشيوعى السورى.
مؤلف الكتاب هو أناتولى أجاريشيف، صحفى سوفيتى شغل العديد من المناصب القيادية فى صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" إحدى أكبر الصحف السوفيتية والروسية الواسعة الانتشار التى اوفدته لاحقا الى القاهرة مراسلا لها فى نهاية الستينات من القرن الماضى، ارتبط بعلاقات واسعة مع مختلف رجالات السياسة والثقافة فى مصر والعديد من البلدان العربية.
مترجم الكتاب الدكتور سامى عمارة، خريج كلية الألسن، حاصل على دكتوراه فى اللغة الروسية من كلية الآداب جامعة لينيجراد بالاتحاد السوفيتى، وهو أحد أفراد "كتيبة الألسن" من المترجمين العاملين مع الخبراء السوفيت فى المشاريع المختلفة، عمل بالسفارة المصرية بموسكو، عمل ولا يزال بالصحافة اعتبارا من مطلع ثمانينات القرن الماضى مراسلا من موسكو لعدد كبير من الصحف المصرية والعربية، كما عمل بعدد كبير من القنوات التلفزيونية، وترجم ما يزيد عن 25 كتابا من اللغة الروسية إلى العربية فى التاريخ والأدب والسياسة.