ربما لم يجتمع على حب زعيم عربى، مثلما اتفق الجميع على حب ناصر، اختلف معه الجميع وهاجمه البعض، لكنه كتبوا فى الراحل ما لم يكتب عن حاكم عربى قبله أو حتى بعده، غاب ناصر وتبقى سيرته حاضرة فى حياة الكثيرين.
ومع مرور الذكرى المئوية لذكرى ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذى ولد فى 15 يناير 1918، نقلب الصفحات والدفاتر، بحثا عما قالوا من عاصروا الرجل، الذين ربما اختلفوا معه معترفين بأخطائه، لكنهم لم ينسوا أمجاده التى بقيت وخلدت سيرته.
"أيتها الأغصان الباردة كأطراف الموتى/ أيتها المواهب الذابلة فى ربيعها الأول/ أيتها السجون المزدحمة بالأحرار/ أيتها القطارات الغاصة بالمهاجرين/ أيتها الخطب المرتجلة من الشرفات/ أيتها المسيرات المعطلة فى كل مكان/ أيها المتثائبون والمتثائبات: فى المطابخ/ فى المقاهى/ فى الحقول/ فى المدارس/ فى المعابد/ فى الفنادق/ فى المسابح/ فى المباغي/ فى المعسكرات... أما من عبد الناصر جديد ولو برتبة عريف؟" (الشاعر السورى محمد الماغوط)
فى قصيدته آخر تانجو فى الصعيد، كان ينادى الشاعر السورى محمد الماغوط فى الأحرار وفى المعسكرات فى الوطن، يبحث عن ناصر جديد، عن رمز آخر يجتمع حوله المهاجرون والأحرار، يبحث عن آمل آخر للكرامة والعزة يحيى بظله العرب
"قتلناك.. يا آخر الأنبياء/ قتلناك.. ليس جديداً علينا/ اغتيال الصحابة والأولياء/ فكم من رسول قتلنا../ وكم من إمام../ ذبحناه وهو يصلى/ صلاة العشاء/ فتاريخنا كله محنة/ وأيامنا كلها كربلاء.. نزلت علينا كتاباً جميلا/ ولكننا لا نجيد القراءة.. وسافرت فينا لأرض البراءه/ ولكننا.. ما قبلنا الرحيلا.. تركناكَ فى شمس سيناء وحدك.. تكلم ربك فى الطور وحدك وتعرى.. وتشقى.. وتعطش وحدك.. ونحن هنا نجلس القرفصاء/ نبيع الشعارات للأغبياء/ ونحشو الجماهير تبناً وقشاً / ونتركهم يعلكون الهواء"(الشاعر اللبنانى نزار قبانى)
كان "ناصر" يحمل الكرامة والقومية فى زمن عصى ذلك على الأمة، انتقد نزار السكون العربى الذى ترك ناصر وحده يواجه الأعداء، يحاول صناعة مجد أمة لا تثأر لانكساراتها وتركته وحده فى سيناء يواجه أحلام العدو الصهيونى
"أكبرت يومك أن يكون رثاء/ الخالدون عهدتهم أحياء/ أَوَيُرزقون؟ أجل، وهذا رزقهم/ صنو الوجود وجاهة وثراء/ صالوا الحياة، فقلت دَيْنٌ يقتضى/ والموت قيلَ فقلتُ كان وفاء/ أثنى عليك وما الثناء عبادة/ كم أفسد المُتعبّدون ثناء/ لا يعصم المجد الرجال وإنّما/ كان العظيم، المجد والأخطاء/ قد كنت شاخص أمّة نسماتها/ وهجيرها، والصبح والإمساء/ ألقت عليك غياضها ومروجها/ واستودعتك الرمل والصحراء/ كنت ابن أرضك من صميم ترابها/ تعطى الثمار، ولم تكن عنقاء/ تتحضّن السرّاء من أطباعها/ وتلُمّ – رغم طباعك – الضرّاء/ قد كان حولك ألف جار يبتغى/ هدمًا، ووحدك من يريد بناء/ لله صدرك ما أشدّ ضلوعه" (الشاعر العراقى محمد مهدى الجواهرى)
العظماء لا يموتون هم إحياء فى القلوب، ويبقى ناصر خالدا فى قلوب البسطاء والفقراء، وأمالهم الدائم ومهدهم الغائب ورمزهم الخالد، فكيف ينسى من أعطى الفقراء وحاول وحده صناعة مجد وطن وأمة رغم حصار الأعداء
"نعيش معك/ نسير معك/ نجوع معك/ وحين تموت/ نحاول ألا نموت معك !/ ولكن لماذا تموتَ بعيدًا عن الماء/ والنيل ملء يديك؟!/ لماذا تموت بعيدًا عن البرق/ والبرق فى شفتيك؟/ وأنت وعدت القبائل/ برحلة صيف من الجاهليةْ/ وأنت وعدت السلاسل/ بنار الزنود القويةْ/ وأنت وعدت المقاتل/ بمعركة تُرجِع القادسيةْ" (الشاعر الفلسطينى محمود درويش)
رغم رحيله من 47 عاما إلا ناصر يبقى هو الحلم والملهم للعرب، فهل من قائد فى الزمن قريب مثله، كان عبد الناصر ولا يزال الأمل والوعد الذى يعيش وتتطلع إليه الأمة
"يا ناصر البعيد قد أوجعنا الغياب/ نمد أيدينا إليك كلما حاصرنا الصقيع والضباب/ نبحث عن عينيك فى الليل ولا نمسك إلا الوهم والسراب/ يا ناصر العظيم أين أنت؟ أين أنت؟/ بعدك لا زرع لا ضرع لا سحاب/ بعدك لا شعر لا نثر ولا فكر ولا كتاب/ بعدك نام السيف فى مرابه/ واستنسر الذباب" (الشاعرة الكويتية سعاد الصباح)
الشاعرة الكويتية الكبيرة سعاد الصباح، تناجى الزعيم فى غيابه تبحث عنه رغم الرحيل، تتمنى عودته ليأخذ الأمة من غفوتها التى لم ترى النور ولا الخير من بعده، تنادى عليه ليعود فيواجه الأعداء الذين استغلوا الغياب لستنسروا على أبنائه.