يمتلك عبد الرحمن حبيب فى روايته "حفلة التجسس" الصادرة عن دار شمس نوعًا من الكتابة المختلفة التى تخصه وحده، حيث يؤكد "حبيب" أن له رأيًا خاصًا به فى الكتابة بمختلف مظاهرها فى اللغة والحدث والصياغة بوجه عام.
فالعنوان يحمل تناقضًا بين كلمتى حفلة التى توحى بالاحتفاء والفرح والبهجة، وبين كلمة تجسس التى توجب بالقلق والاتهام والارتباك، وهذا التناقض لا يقف عند العنوان فقط لكنه يبدأ منه ثم يمتد إلى كل أجزاء الرواية، ليس بالمعنى السلبى لكلمة التناقض، لكنه التناقض الذى يصنع الأحداث، مثل أن نجد شخصية "هانى" ساقطة فى فخ الشغف بالتسجيل والتنصت بما يعكس المفارقة بين ما يفعله وبين على ما يبدو عليه من التزام، كذلك التناقض فى شخصية سوزى بين الإقبال على الآخرين والنفور منهم بما يشعرنا بأزمتها النفسية، ويصنع الأحداث الدرامية فى الرواية.
وجاءت اللغة سلسة استطاعت أن تصل لمرحلة من التوافق وأن تجيد التنسيق بين السرد الفصيح والحوار العامى، حيث إن الدخول والخروج بين هذين النسقين من الكتابة لم يحدث بطريقة القطيعة ولم يُحدث نشازا فى القراءة، بل اللغة كانت جزءًا من التناقض الكاشف للشخصيات الذى تحدثنا عنه فى البداية.. كذلك الشعر المستخدم بالفصحى كان متسقًا مع الأفكار الفلسفية التى يحملها ويتفق مع شخصية كمال المحملة بالرؤية الفلسفية.
ومن التقنيات التى استخدمها "حبيب" السيناريو، ربما الذى كان دافعًا لهذا التبادل اللغوى بين العامية والفصحى فالسيناريو، هو الروح الذى تسيطر على كتابة الرواية، فهذه الرواية بها أشكال كتابية متعددة وذلك أمر فى صالحها تمامًا، حيث الشعر الذى يأخذ أكثر من صفحة أحيانًا، وكذلك التداعى الفلسفى أما الشكل المعتمد على السيناريو فقد ظهر بشكل واضح ربما يعكس شغف "حبيب" بكتابة السيناريوهات.
أما رسم الشخصيات فقد تم التعريف بالشخصيات من خلال الحدث، كذلك فكرة أنك تخرج من الحدث غير قادر على الحكم الأخلاقى على الشخصيات، فكلهم متهمون وفى الوقت نفسه كلهم بريئون أيضًا.
واعتمد "عبد الرحمن" على النهايات المفتوحة فهناك كثير من الحلقات المفتوحة بقصدية تامة من الكاتب مثل: حكاية سوزى الممتلئة بمنح الفرصة للقارئ كى يشارك فى تخيل هذه الفجوات الإيجابية، فنحن لا نعرف الكثير عن أسباب انتحارها، لكن لنا أن نتخيل ذلك من خلال علاقتها بأسرتها وكذلك علاقتها بكمال.