بعد مرور يومين على انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ49، وظهور مؤشرات لاتجاهات القراء لاقتناء نوع معين من الكتب، خاصة من الهيئات والمراكز الحكومية، والتى أعلنت بالفعل عن مبيعات مرتفعة منذ اليوم الأول، ونفاد بعض الطبعات من بعض الكتب التى صدرت عن تلك القطاعات، والتى توضح بقوة أن الكتب الفلسفية فى صدارة تلك المبيعات.
وفى إشارة واضحة لبحث القراء عن الحكمة، والكتابات ذات الأفكار والرؤى التحليلية، التى تقدم دراسة المشاكل العامة والأساسية التى تتعلق بأمور تتعلق بالوجودية، والمعرفة، والقِيم، والعاطفة، والعقل، واللغة، ذهب المصريون خلفها واقتنوا من نسخها، فربما يتبنون أفكارها، الهادفة.
الهيئة العامة لقصور الثقافة، أعلنت عن مبيعات تخطت الـ35 ألف جنيه، بعد اليوم الأول للمعرض فى دورته الـ49، خاصة لكتب سلسلة ذخائر وفى نظرة على السلسلة نجد أن أغلبها إن لم تكن جميعها كتب فلسفية، ومنها كتاب تهافت التهافت للقاضى والفيلسوف المسلم الشهير أبو الوليد ابن رشد الأندلسى، والذى يمثل ردة الفعل الفلسفية على الهجمة القوية على الفلسفة التى أقدم عليها الإمام أبو حامد الغزالى، وتناول فيه ابن رشد المسائل العشرين التى تناولها أبو حامد، من مسألة القدم والحدوث إلى مسألة الخلود، ثم صدور الكثرة عن الواحد، والاستدلال على وجود صانع العالم، وفى أن الله واحد ونفى الكثرة فى ذاته، الغريب أن كتاب أبو حامد الغزالى "تهافت الفلاسفة"، كان ضمن إصدارات الهيئة وكان ضمن الإصدارات الأكثر مبيعًا أيضًا.
كما تواجد أيضًا كتاب فصل المقال لابن رشد أيضًا، والذى صدر فى القرن الرابع عشر، والذى يتحدث عن فتوى نقض وإبرام فى شرعية الفلسفة، وتأسيس لفقه التأويل، ومن وراء ذلك طرح العلاقة بين الدين والمجتمع. وبعبارة أخرى الكتاب هو بيان حكم الشرع الإسلامى فى "علوم الأوائل" وبالتخصيص "الفلسفة وعلوم المنطق، بجانب كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسى، ويتناول الكتاب بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسى من خلال الملاحظة والتجربة، فيعالج ابن حزم فى أسلوب قصصى هذه العاطفة من منظور إنسانى تحليلى، والكتاب يعد عملاً فريدًا فى بابه.
أما المركز القومى للترجمة، فكانت مبيعاته أيضًا إشارة الأخرى على بحث المصريين حول الحكمة، فبعد المبيعات الكبيرة التى حققتها كتب المركز خلال اليوم الأول، تواجد كتاب مثنوى لمولانا جلال الدين الرومى، على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وهو الكتاب الذى رغم صدوره فى القرن السابع الهجرى، إلا أنه لم يفقد جدته، عند القراء حيث يقدم أفكارًا جديده، وإلمامات إلى ما يصادفه القارئ من مشاكل فى تعامله مع نفسه ومع المجتمع، وفى سعيه الحثيث نحو التسامى فوق صراع الحياة ومتطلبات العيش فيما يقرب من ثلاثين ألف بيت من الشعر الراقى، كما تواجد بالقائمة أيضًا كتاب الفيلسوف الألمانى الشهير "العالم إرادة وتمثلا"، وهو كتابه الرئيسى الذى ينطوى على مجمل فلسفته العامه ويُعد – فى الوقت ذاته – واحدًا من أعظم إنجازات الفلسفة فى القرن التاسع عشر.
الحكم والفلسفة فى الأمور الخاصة فى الدين دائما ما تسير المصريين، وهو تمثل فى قائمة الأكثر مبيعًا فى إصدارات مكتبة الأسرة، بعدما حققت 55 ألف جنيه فى يومها الأول حيث تصدرت القائمة كتاب "إسلام بلا مذاهب" للمفكر الكبير الدكتور مصطفى الشكعة، وهو الكتاب الذى يحاول من خلاله المؤلف الوقوف على الأسباب التى أدت إلى هذه المفارقات الضخمة المؤسفة بين موقف المسلمين وحالهم فى أمسهم ويومهم، ولم يظل به التفكير، فسرعان ما اهتدى إلى أن ضعف المسلمين جاءت تفرق كلمتهم وبشتات شملهم نتيجة لتفرق المذهب والعقيدة.