أثار كتاب "المغرب العربى" ضجة واسعة فى دولة الجزائر بعدما نشر كاتبه الدكتور محيى الدين عميمور، على صفحته الشخصية على موقع التوصل الاجتماعى "فيس بوك" أنه تم منعه من العرض فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، ليعود ويصوب أنه لم يتم منعه فى القاهرة بينما تم منعه فى معرض الدار البيضاء بالمغرب.
ولكتاب صدر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات تناول فيها الكاتب موضوع وحدة المغرب العربى وقضية الصحراء.
ويقول الدكتور محيى الدين عميمور، كثيرون يطرحون مثال الوحدة الأوروبية كقدوة يجب أن نحتذى بها، ومن هنا أتوقف فى إطار هذه الإطلالة السريعة عند ذلك الإنجاز الرائع، الذى أجرؤ على القول بأنه كان درسًا للوطن العربى كله، وهو يجمع ديانات ومذاهب مختلفة ولغات وطنية متعددة فى إطار سياسى اقتصادى، واستطاع أن يكون قوة دولية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها فى كل التحركات السياسية والاقتصادية الدولية، وأصبح "الإيرباس" الأوربى منافسًا عنيدًا "للبوينج" الأمريكية، والأورو يرفع الرأس بفخر واعتزاز أمام الدولار.
ويستكمل الكاتب حديثه قائلا: من هنا تأتى أهمية المقارنة بين ما أنجزوه هناك وما تعثرنا فى مجرد الانطلاق به عندنا، وبغض النظر عن نظرية السيف الذى يفقد قدره إذا قلت أنه خير من العصا، وحقيقى أن تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب فى الخمسينيات على يد كل من ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج كان انطلاقة عملية نحو المشروع الذى فكر فيه كثيرون من الساسة الأوربيين، وإلى درجة استعمال القوة العسكرية لتحقيقه، وهو ما فشل فيه "نابليون بونابرت"، عندما فكر فى إعادة وضعية مثيلة لوضعية الإمبراطورية الرومانية التى كانت تمتد حول البحر الأبيض المتوسط، أو لإمبراطورية شارلمانثم الإمبراطورية الرومانية المقدسة اللتين وحدتا مساحات شاسعة تحت إدارة فضفاضة لمئات السنين، قبل ظهور الدولة القومية الحديثة، وقيل أنه كان من أحلام ونستون تشرشل البريطانى وأفكار شومان الفرنسي.
وحقيقى أن اتفاقية روما فى النصف الثانى من الخمسينيات كانت الأساس الاقتصادى للاتحاد الأوربى الذى يضم اليوم ثمانية وعشرين دولة، حيث نصت على إنشاء سوق أوربية مشتركة حتى يتم الاستفادة من المنتوجات الأوربية وخلق تكتل اقتصادى وسياسى مندمج بين الدول الاوربية، قبل أن تتحول إلى ما يعرف حاليا بالاتحاد الأوروبى، غير أننى ممن يؤمنون بأن الانطلاقة الحقيقية لإنشاء الاتحاد كانت لقاء الرئيس الفرنسى "شارل دوغول" مع المستشار الألمانى "كونرادأديناور" فى 1963، وهو ما أثبت أن الاقتصاد مهما كانت أهميته لا يمكن أن يكون بديلا عن الإرادة السياسية.
ولقد توحدت أوروبا لأن كل دولة من دولها تصرفت كفرد من عائلة واحدة متساوية الحقوق والواجبات، ليس فيها كبير أو صغير، فإيطاليا لا تجتر أمجاد الإمبراطورية الرومانية ولم تعد ترى فى الآخرين مجرد برابرة، وألمانيا لم تعد تتغنى بفضائل الجنس الآري، وفرنسا لا تعاير الجميع بثورة الباستيل وبأنها عاصمة حقوق الإنسان، واليونان لا تجتر أفضال أرسطو وأفلاطون على الحضارة الإنسانية، ومالطا لا تجعل من احتضانها فرسان الهيكل مبررا لسلطة روحية على المسيحيين، والكل يحبون فاغنر الألمانى وموزار النمسوى وبيتهوفن الأمانى وروسينى الإيطالى وبيزيه الفرنسى ورحمانينوف الروسى ةيعجبون ببيكاسو الإسبانى كما يعجبون برامبرانت الفرنسى ومايكل أنغلو الإيطالى ولا يختلفون على هانز كريستيان أندرسون الدانماركى وحتى تانتان البلجيكي، ويلعنون جميعا هتلر الألمانى وموسيلينى الإيطالى لكنهم يتسترون عل دكتاتورية فرانكو الإسبانى وسالازار البرتغالي.
لكن الجميع يعيدون اليوم الحروب الصليبية بصورة مناسبة لعصر المعلومات والتكنولوجيا، ويسير على خطى بيتر الناسك (Peter the Hermit) فى 1096 فى تجييش الحملات إبادة المسلمين غالبا واليهود أحيانا، كما حدث فى الأندلس، وهو سر عقدة الذنب الأوربية تجاه اليهود، والتى ضاعف منها القبول الحماسى الواسع للنظريات الألمانية العرقية خلال الحرب الأوربية (وليس العالمية) الثانية، على وقع نشيد “نحن هنا يا ماريشال (Maréchal, nous voila) الذى كانت تنشده جماهير فرنسا تحية للمارشال بيتان.
وبرغم عدم استبعاد القتل المباشر وغير المباشر فإن رجال الصليبية الجديدة يلجؤون اليوم أساسا للشركات متعدية الجنسيات ويتحدون لمواجهة ما يسمونه خطر الإرهاب الإسلامي، وهو الاكتشاف الذى اخترعته شركات البترول ومؤسسات صناعة الأسلحة بعد سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الاشتراكى ويتعاملون مع بلداننا بمنطق: "من لحيته بخر له" أو كما يقول المشارقة "من دقنه وافتل له".
وسنجد هنا أن جل دول "وارسو" انضمت إلى خصومها السابقين فى الحلف الأطلسي، مع تجاهل المأساة الشيشانية وحصار الدولة البوسنية، ليتأكد أن الأمر أصبح فعلا صراع حضارات تعود إلى مرحلة من يسمونه القديس أوغستاني، وهو الرومانى المولود فى الجزائر، والذى قضت أفكاره الكاثوليكية على المسيحية الأصلية التى كان بتصدرها الأب دونا (DONATUS)، المناضل الأمازيغى الذى رفض ألوهيةالمسيح وقاد حوارييه ضد الغزو الرومانى.
وبينما زار الجنرال قبر صلاح الدين تشفيا وهو يخاطب الرفات الكريمة قائلا: لقد عدنا يا صلاح الدين، لم يحاول بابا الفاتيكان الترحم على قبر القائد المسلم النبيل الذى لم يتردد فى علاج عدوه قلب الأسد، ولم يقم البابا بما قام به خوان كارلوس فى النصب التذكارى لما تسمى محرقة اليهود، واضعا نصف القبعة اليهودية على مخرة رأسه.
ولعلى توقفت أكثر من اللازم عند هذه القضية لكننى أردت أن أذكر بحقائق يجهلها كثيرون، ويُعتمُ عليها المستلبون الجدد، خصوصا فى الشمال الإفريقي، الذى يفتقد آليات الكفاح ضد الشمال المستغل، والذى يؤكد صحة المقولة التى كان يرددها دائما الرئيس الجزائرى الراحل هوارى بو مدين، من أن الصراع ليس بين الشرق والغرب ولكن بين الشمال والجنوب.
ولن أتوقف كثيرا عند استعراض أجهزة اتحاد المغرب العربي، وهى تابعة تماما لقيادات دول الاتحاد، وتذكر المقارنة مع أجهزة الاتحاد الأوربية بقضية السيف والعصا، ولعل أوضح الصور هى قضية مجلس الشورى الذى لا يشبه فى شيئ البرلمان الأوربي، فبالإضافة إلى أن أعضاءه ليسوا منتخبين مباشرة من جمهور المغرب العربى فإنه عاجز عن إلزام حكومات الدول المعنية بأى أمر يستقر الرأى عليه، وأصبح مجرد فرصة لاستفادة البعض من المنح المالية وجوازات السفر الديبلوماسية، وكاد يكون صورة جديدة لمؤسسات الجامعة العربية القعيدة.
وبينما بُنِى الاتحاد الأوربى على اتفاق بين مؤسسات وقادة منتخبين جماهيريا، يتولون مسؤولياتهم بأسلوب ديموقراطى وعلى أساس مبدأ التداول على السلطة، نجد أن معظم ما تم فى منطقتنا كان أقرب إلى نزوات بين قادة يمكن طرح تساؤلات كثيرة عن خلفيات بعضهم فى اتخاذ القرارات، ولهذا جعلت معاهدة اتحاد المغرب العربى من الاتحاد ورقة عملة ملونة لا تستند إلى رصيد ذهبى حقيقي.