كان ميلاده معجزة فقد جاء لأبيه زكريا بعد سنوات طويلة من الصبر حتى يئس الشيخ من الذرية بسبب بلوغه من العمر أرذله، فضلًا عن كون امرأته عاقرًا وقد وهبه الله إياه بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبى زكريا بعد زيارته لمحراب السيدة مريم بنت عمران، إنه يحيى عليه السلام.
ولد يحيى عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن غيره من الأطفال، فكان معظمهم يمارسوا اللهو، أما هو فكان جادًا طوال الوقت، وكان بعضهم يتسلى بتعذيب الحيوانات، أما يحيى فكان يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانًا عليها، ويبقى هو بغير طعام، أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
كان وجهه يزداد نورًا وقلبه يمتليء بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام كلما تقدم فى العمر، فكان يحب القراءة، ويقرأ فى العلم من طفولته، فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا"، وهذه الآية تعنى أنه أُمِرَ بتدريس الكتاب بإحكام، أى كتاب الشريعة وهو مازال صبيًا.
رزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبى، وكان أعلم الناس وأشدهم حكمة فى زمانه حيث درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبى، فكان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
قتل يحيى وقُدِمَت رأسه كمهر لعروس الملك، حيث كان ملك هذا الزمان طاغية والفساد منتشرًا فى بلاطه، وسمع أنباء متفرقة عن يحيى وحب الجميع له، وكان يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهى أغرته بسبب طمعها فى الملك، رغم علمهم بأن هذا حرام فى الدين.
أراد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام بالزاوج منها، فذهبوا يغرونه بالأموال، لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها، فغضب الملك وامتنع عن الزواج.
إلا أن لم تستسلم، وفى إحدى الليالى أخذت البنت تغنى وترقص فأرادها الملك فأبت وقالت: "إلا أن تتزوجنى"، فقال: "كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى؟"، قالت: "ائتنى برأسه مهرًا لى"، فأمر فى حينه بإحضار رأس يحيى له، وقتله الجنود ويصلى في المحراب، وقدموا رأسه على صحن للملك، فقدم الصحن إلى الفتاة وتزوجها بالحرام.
معنى اسم يحيى: هو اسم أعجمى أصله "يوحَنّا" باللغة العبرية، أو هو عربي من الفعل "يحيا"، وعُرف الاسم بعد نزول القرآن على اسم يحيى بن زكريا، والأرمن يسمونه "يَغْيا"، وقد جاء في القرآن الكريم أن هذا الاسم كان أولَ ما سُمي به ابن زكريا.