على سريره الصغير تقلب «يوسف» أكثر من مرة، وقد خاصم النوم جفنيه، كان يفكر بعمق فى أمر يشغله، شعر «ريحان» بالفضول وسأل «فلة» وهو يتململ على كرسيه «ترى ماذا يحرم صغيرنا من النوم هذه الليلة يا فلة؟ لن يمكننا أن نبدأ عملنا إذا لم ينم!» ابتسمت «فلة» وقالت بعد أن رشفت القليل من الكاكاو الساخن: «أظن أننى أعرف يا «ريحان» لقد رأيت حلمه فى الليلة السابقة»، سأل ريحان بلهفة «وعم يدور حلمه؟».. «يوسف يريد أن يكون مشهورا» ضحك ريحان «هاهاها كلنا فى طفولتنا كنا نتمنى أن نصبح مشهورين حين نكبر و..» قاطعته فلة «لا.. إنه يريد أن يكون مشهورا الآن»، اندهش ريحان «مشهورا بماذا؟ هل لديه موهبة ما؟ يغنى أو يرسم أو..» بنفاد صبر قاطعته فلة مرة أخرى: «فكرتك عن الشهرة قديمة جدا يا صديقى.. إنه ببساطة يحلم أن يصبح مشهورا على تيك توك»، سأل ريحان مرة أخرى «حسنا حسنا.. ولكن مشهور بماذا؟»، أجابت فلة: «هناك آلاف المشاهير بلا شىء يا صديقى.. ربما يقلد أغنية شهيرة أو رقصة أو يحاكى مشهد كوميدى معروف وفقط.. لا يتطلب الأمر موهبة»، غمغم ريحان «آه.. مشاكل هذا الزمن.. وماذا سنفعل يا فلة؟» فكرت فلة لحظات ثم قالت «همممم.. ربما نحتاج أداة الطوارئ» - «ماذا آلة الزمن؟»
****
تعاون «ريحان» و«فلة» فى جر شاشة عرض كبيرة إلى داخل منطقة أحلام «يوسف»، ثم أمسكا بجهاز التحكم الصغير وضغطا زر «5 سنوات»، رأى يوسف نفسه فى عمر الرابعة عشرة، كان مشهورا على تيك توك، له 3 ملايين متابع، والمئات من مقاطع الفيديو التى كان الكثير منها محرجا، كانت رقصاته غريبة ويدبر مقالب فى أصدقائه بعضها كان واضحا أنه مصطنع وغير منطقى، شعر بالسعادة وهو يرى بعض الناس يتعرفون عليه فى الشارع وفى النادى وفى مركز التسوق، ولكنه بدأ ينزعج حين أصبحت كاميرات الهواتف تقتحم كل تفاصيل حياته، انتشر مقطع فيديو له بينما يوبخه مدرسه فى الفصل، وآخر وهو يتشاجر مع زميل له فى المدرسة، وثالث وهو نائم بشكل مضحك فى الحافلة، لكن كانت أكثر اللحظات فزعا بالنسبة له حين كاد يغرق فى البحر، وطلب المساعدة من المحيطين به، وحين اقترب أحدهم منه أخيرا ابتعد مجددا، وهو ينظر إلى كاميرات الهواتف المسلطة عليه ويقول بغضب «لقد عرفتك أنت يوسف فتى التيك توك.. مقلب آخر سخيف منك لقد مللت» وتركه مبتعدا ولم يعد إلا حين لمس نبرة صادقة فى صرخة «يوسف» المستنجدة، والذى خرج من الماء ليسرع فورا لهاتفه ويحذف حساباته على «السوشيال ميديا» للأبد.