حديثُ الجمال، حديثٌ ما أعظمَه، حديثٌ ذو شؤون، حديثٌ ذو شجون، حديثُ الفطرة السوية، والسريرة النقية..
العينُ دوماً تسعى نحو الجمال، تبحث عن الجمال، وعندما نجدُه، نقولُ على الفور، بلسان الحال والمقال: الله.. ما لهذا الجمال!
الله جميل، يحب الجمال، والعين تعشق الجمال، وعلي رأى سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، والشاعر الكبير ، بيرم التونسي، القلب يعشق كل جميل.
حياتي كلُها، أبحثُ فيها ومعها، عن هذه القيمة الرائعة، وما يرتبطُ بها من معانٍ، فاكتشفتُ أن أول هذه المعاني، هو "التناغم".
التناغمُ بينَ الأصالةِ والمعاصرة، بينَ الوافد و الموروث ، فليس كلُ قديم سيئ ، وليس كلُ حديث مذهل.
لم يكن الإنفاقُ المُفرط يوماً ، ترجمةً حقيقية للأناقة والشياكة , و لم تكن البساطةُ يوماً تعبيراً عن الضعف وقلة الحيلة .
لقد شاهدتُ بعيني مراراً و تكراراً بيوتاً متواضعة , قليلةَ الكُلفة , لكنها بديعةُ الشكل و الذوق , و في المقابل ، رأيتُ بيوتاً شاهقة, أُنفق عليها الكثير , لكنها جافةٌ ,خاليةٌ من الروح والإبداع و الرقي .
ومن الجمال ، العودةُ للقديم ، فهي عودةٌ للأصالة ، واليومَ نري فنادق كالكهوف ، وبيوتِ الشَعر ( بفتح الشين ) ، ومنازل فاخرة ، بعض أجزاءها من الطين ، ويعودُ الحصير للمشهد ، بل والزير والقلة والطبلية أيضاً ..
وعن بساطة الألوان ، وسلاسة التصميمات ، حدث ولا حرج ..
هي إذن لغةٌ جديدة للجمال ، مذاقُها قديم ، وروحُها حديثة ، وهذه هي المعادلة التي نبحثُ عنها علي الدوام ..
كنتُ أجلسُ مع بعضهم يوماً في قصرٍ مشيد ، بكل ما تحملُه الكلمةُ من معانٍ ، ولكم أن تتخيلوا أثمانَ النجف والتحف المعلقة فقط ، وأصوات الموسيقي ، بالنظام الصوتي الذكي ، وفجأة ، انقطعت الكهرباء ، وسكتت الأصوات ، وتوقفت المكيفات ، وعَم الظلام ، ولم يبقَ إلا ما تسرب من ضوء القمرِ ، في تلك الليلة المقمرة ، فأضاءَ المكانَ بضوءٍ شديد الخفوت ، وقال الجميعُ في صوتٍ واحد : الله …
لقد أدركت أعينُهم وأذانهم وقلوبُهم ، قيماً من الجمال ، أخفتها المَدَنيةُ الحديثة ، بصخبها وإزعاجها ..
يا سادة ..
اصنعوا السعادة في البيوت، والشوارع، والمتاجر ..
ارتقوا بالأذواق .
ابحثوا عن الجمال في كل شىء..
في الكلام.. في المعاملات..
فالجمالُ سبيلُ السعادة ، وهي سعادةٌ يقيناً ليست بالمال، فقد نكونُ بُسطاءَ في أنفسِنا ، لكننا راضون بما نفعل ، وقد تكون إنشاءاتُنا ، قليلةَ التكلفة، ولكنها عظيمةُ النفع والأثر.