تختلف عادات وتقاليد الزواج من مكان لآخر حول العالم، وقد تختلف حتى داخل الدولة الواحدة، كما هو الحال في مصر؛ نجد الريف يحتفظ ببعض طقوسه المميزة على الرغم أن احتفالاته أصبحت تشابه الحضر إلى حد كبير، ونجد الأفراح في الصعيد محتفظة بطابعها وقد طرأ عليها تغيير بسيط، وكذلك القبائل العربية المصرية ما زالت تحتفظ بعاداتها وتقاليدها إلا القليل منها الذى لا يؤثر على هُويّتها سواء قبائل سيناء أو قبائل مطروح، وعلى الرغم من تقارب المسافات بين أهل مطروح وأهل "واحة سيوة" إلا أن الأخيرة مازالت متمسكة بكل تفصيلة دقيقة من تفاصيل عاداتها وتقاليدها في الحياة وخاصة عادات الزواج.
ومن المعهود عن سكان "سيوة" أن لديهم ذكاء وقدرة على العيش في قلب الصحراء، فهى واحة طبيعية بكر تختبئ وسط الجبال في صحراء مطروح الغربية، حيث تبعد عن العاصمة بـ" 820 "كيلومترا جنوب غربي القاهرة، لذلك فقد وضع أهلها قوانين صارمة فى شتى مناحى الحياة، وعادت وتقاليد لا يمكن التخلى عنها، منها عادات الزواج والفرح السيوى التي عايشها "انفراد" واطلع على تفاصيلها.
حجز الفتاة من أصعب عادات واحة سيوة
ومن عادات أهالى تلك الواحة الصغيرة عدم اختلاط النساء والرجال في مكان واحد، وارتدائهن الملابس التي تخفي معالمهن. فالمتزوجة ترتدى شال يغطيها من رأسها حتى قدميها ويسمى "فوطة السويين" والفتاة ترتدى طرحة الحجاب أو النقاب، ولا تخرج من بيتها بمفردها مهما كانت الظروف، لذلك فتجد أغلب زيجات "واحة سيوة "من الأقارب. وفي الغالب يقوم الشاب بحجز العروس منذ طفولتها، ويبدأ من سن الثامنة تقريبًا، فيذهب إلى والد الصغيرة فيقول له" أنا حجزت بنتك" فإذا وافق والدها على ذلك أصبحت له ولا يمكن أن تتزوج غيره حتى لو تركها دون زواج. تلك العادة قلت كثيرًا عن ذي قبل سبب انتشار تعليم الفتيات داخل الواحة. والذى يقتصر على المرحلة الثانوية فقط إلا القليل منهن التي خرجت للجامعة.
عيد الصلح أو السياحة يوم الزواج في سيوة
وفي المقابل هناك عادة أخرى تتيح للفتاة أن تتنفس الصعداء في الهواء الطلق، فهو عيد الصلح أو السياحة يأتي في شهر أكتوبر من كل عام ويستمر ثلاثة أيام، وهو موسم حصاد البلح والزيتون داخل الواحة، وفيه تخرج الفتيات للتنزه بصحبة والدها ليرها الشاب السيوى ويتقدم لخطبتها.
دقات ضفوف تدوى في أركان الواحة الصغير، يصاحبها أصوات مبهجة تردد "خمسة وخميس عروستنا جاها العريس، خمسة وخميس قدرها عالى مش خسيس" ومن بين أجواء الفرح السعيد التقينا مع الحاج "عبد الله إسماعيل سامى" من كبار عائلات سيوة فقال: بالمصادفة اليوم هو فرح ابنى "محمد" أدعوكم لحضور الحفل السعيد، واصطحبنا إلى مكان السيدات لتتحدث إلينا الحاجة "شمايل" التي تعمل "حنانة" في الأفراح والأعياد.
شمايل الحنانة تحكى تفاصيل الاحتفال بالعروسة
قالت شمايل فنانة رسم الحنة: "عادات الأفراح عندنا مختلفة بتبدأ من يوم خطبة العريس لبعد يوم الزفاف، في الأول العريس بيروح يزورها ومعاه أمه وأخواته البنات، وبتشوفه لو عجبها ووافقت بيحطلها في الصنية 1000 جنيه، وهى بتقعد مع أهله وهو بيقعد مع أبوها والرجالة وبيقرأ الفاتحة ويتفقوا على المهر وأقل مبلغ 15000 ألف جنيه وعلى ميعاد الفرح، وده بعد ما يكون شافها مرة واحدة في عيد السياحة وسأل عليها وعجبته".
ومن عادتهم في "سيوة" أن مهر العروس تشترى به ذهب فقط، أما العريس فيقوم بتجهيز البيت وشراء العفش والأجهزة والفرش وكافة شيء، والفرح منقسم لقسمين فرح خاص بالسيدات وأخر للرجال وكل منهم له طابعه المختلف عن الأخر، ويتلاقيا يوم الخميس ليلًا حين تذهب العروس لبيت زوجها.
الفرح السيوي ثلاث ليالي ملاح
وعن أيام الفرح تحكى الحنانة :" الفرح عندنا يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ويوم الثلاث باليل أروح للعروسة أرسملها الحنة، ويوم الأربعاء يزورها أهل العريس أي أمه وأخواته ويطبلوا ويغنوا ويرقصوا ويشربوا العصير وياكلوا الفول ويمشوا، والخميس الساعة 4 أزين العروسة وألبسها الفستان الأبيض، ونقعد نغني ونرقص، وفي الليل تيجى 5 ستات من أهل العريس أمه وأخواته وعمته ياخدوا العروسة لبيت العريس، وفي الصباحية تروح أخوات العروسة اللي لسه ماتجوزوش الأول يزوروها لوحدهم، وأما يرجعوا تروح عمتها وخالتها واخواتها المتجوزين يباركوالها، وبالليل يروح أبوها يبارك لها، لكن أم العروسة بتروح لها بعد رابع يوم من الفرح، وكده الفرح خلص بالنسبة لأهل العروسة".
فرح للحي كله
بعد ما رصدنا طقوس الزواج من سيدات الواحة، اصطحبنا طفل صغير يدعى" عبد الله" إلى الشادر فالتقينا بوالد العريس مرة أخرى فقال: "الفرح في سيوة المعازيم كتير والحمل ثقيل" وأجمل شيء في الفرح هو وحدة الأهل والجيران والأصحاب، كل واحد ليه دور داخل الحى في إقامة الفرح وخاصة الشباب، لأن الفرح يبدأ قبلها بثلاث أيام، اليوم الأول يقوم يقسم الشباب أنفسهم منهم من يقوم بتجهيز الحطب ويشرف على تركيب الشادر لإقامة الحفل، والبعض الأخر يذهب لشراء الذبائح وتجهيزها وتسليمها للجزار ثم للطباخ الذى يسأل أهل العريس عن طبيعة الوليمة التي ستقدم في الفرح.
الاستحمام في عين العرايس
والتقط أطراف الحديث "يوسف" زوج ابنة الحاج "عبد الله" والد العريس قائلاً: من العادات التي احتفظ بها أهل الواحة هي ذهاب العروسين لبئر العرائس، ففي صباح يوم الأربعاء تذهب العروس مع أخواتها وأصحابها للاستحمام في البئر وهذا بعد زفة كبيرة داخل الواحة، وفي المساء يذهب العريس مع أصدقائه للاستحمام هناك أيضًا .
احتفال شبابي
وفي صباح يوم الخميس يذهب العريس مع أصحابه إلى أحد مزارع النخيل والزيتون أو الصحراء ليقضي وقت ممتع مع أصحابه في الغناء والرقص، لأن من عادتهم أنه لا يجوز أن يغنى الشاب أمام والده أو كبار العائلة، ولذلك يتجمع الشباب بعيد عن الحى ليحتفلوا بالعريس.
وتناول والد العريس الحديث مرة أخرى فقال" بنعمل بالليل حفلة كبيرة فيها عشاء للضيوف وبعدها بنبدأ بالقرآن وبعدين مسابقات دينية وبنفرق هدايا على المعازيم، على ما الستات عندنا يروحوا يجيبوا العروسة، بالعربيات ويعملوا زفة في الواحة عشان اللى ماحضرش الفرح يعرف ويبقي إشهار، وبعدين يستقبلها العريس ويطلعوا بنتهم، يوم الجمعة بيصحى العريس بدرى يقعد مع أصحابه ويستقبل تهنئة الضيوف عشان وليمة الغدا".
الشوربة السيوى أهم طبق على مائدة الفرح
وفي صباح يوم الجمعة كانت الأجواء ممتلئة بالحيوية والنشاط، الطباخ منشغل من الصباح الباكر في تجهيز الوليمة للضيوف، فذهبنا إليه وتحدثنا عن تجهيز تلك الولائم فقال سليمان موسي طباخ الأفراح في سيوة: في الأفراح احضر لمكان العرس ومعى كافة أدواتى من مواقد وأوانى للطبخ وغيرها للتقديم، أما الخامات فيحضرها أصحاب الفرح إلا إذا كان هناك اتفاق على احضار أي شيء معي، في الإفطار طبق الـ"نكاناف" وهو الكبدة واللحمة مقطعة صغير ومتشوحة في السمن بالتوابل وده طبق سيوى الأصل، أما غداء العروسة بتجهزه أم العريس بيكون حمام محشي وبط، والوجبة الأساسية تكون الغذاء يوم الجمعة بعد الصلاة، أقدم فيه لحمة الذبيح وأرز أحمر وشوربة سيوى" لسان عصفور، كوسة، وجزر" ومعهم سلطة خضراء.
ترابيزة النقطة
الأجواء مزدحمة داخل الشادر أناس كثيرين يدخلون للتهنئة وأخرين يجلسون لتناول الغداء، والأطفال يحملون الصوانى ويساعدون الشباب في خدمة الضيوف، والعريس يجلس مع كل مجموعة بضع دقائق تحية لهم، وهناك خارج الشادر توجد منضدة صغير يجلس عليها فتيان وأمامهم كراسة يدونون فيها نقطة العريس، ذهبنا إليهم والتقينا مع إسماعيل على ابن عم العريس فقال: النقطة هنا مختلفة، لأنها عبارة عن كشف مقسم إلى خانات واحدة لاسم العريس وأخرى للمبلغ المدفوع وأخرى للعنوان، كى يكون من السهل رد هذه المبالغ في المناسبات الخاصة بها، ولا يوجد شرط معين لمبلغ النقطة وإما هي حسب مقدرة الضيف، وعن مستلم النقطة هو شخص مقرب للعائلة أو قريب من الدرجة الأولي، وهى النقطة بمثابة مساعدة للعريس، ممكن أن يقيم مشروع مشروع خاص به أو يشترى مزرعة تعينه على المعيشة.
وبعد الغدا ودفع النقطة تنتهى أجواء الفرح السيوى، ثلاثة أيام جميعها تعاون وتكافل ممزوج بالبهجة والفرحة داخل درة واحات مصر "سيوة".