"كالمستجير من الرمضاء بالنار" هذا المثل العربى القديم يمكنه تلخيص قصتها التى تفيض بالوجع، بدأت رسالتها بعبارة مؤلمة "أنا مكروهة من أهلى واتجوزت هروبًا من بيت أبويا اللى بيكرهنى لأنى بفكره بأخته اللى ما بيحبهاش وأمى اللى كانت بتفضحنى على أى تصرف عند أهلها وتقول أخلاقى بايظة وما تفهمنيش الصح".
رغم مفارقتها بيت الأب وزواجها وإنجابها طفلاً، لا تزال هناك بعض المشاهد القاسية الحزينة تومض فى ذاكرتها. لا تزال تلك المشاهد مشتعلة كالجمر، فلا يمكنها أن تنسى إساءة والدها لها وتعديه عليها بالضرب أو السباب. ولا يمكنها أن تنسى مشهدها وهي متروكة وحيدة في غرفتها تبكي باليومين بدون طعام، تعاني الكوابيس حين تحاول النوم.
لم تر مخرجًا من البيت القاسي إلا بالزواج، فخرجت إلى جحيم جديد حيث قالت "تزوجت رجلا قبل بإهانتي قدامه ويقول محصلش علشان خايف من الناس، وطول الوقت بيقلل منى"، حاولت إنهاء حياتها مرارًا، فكان يسخر من محاولاتها تلك لدرجة أنه نادى ابنه ليشهد على محاولاتها للانتحار وهو يضحك ثم غادر البيت وتركها.
بالكثير من الحيرة والمرارة سألت "أنا مكروهة ليه مع إني بخاف على مشاعر الناس بزيادة؟ بسأل نفسي دايمًا السؤال دا، وبجلد نفسي لو قلت كلمة تتفهم غلط".
واستطردت بأسى "أنا عايشة بمهدئات ومنومات وابني بسيبه وقت طويل مع نفسه. حاسة إني مش عارفة أكون أم كويسة بس غصب عني. مش قادرة اتعامل معاه. طاقتي خلصت. حاسة إني مش قادرة أربيه وضعف شخصية باباه بيأثر عليه وبيقلده وبقى خايف من الدنيا هو كمان ودا بيرعبني أكتر عليه.. هو اللي انا فيه دا ممكن يبقى له حل؟".
***
القارئة العزيزة. رغم قلة التفاصيل إلا أن الصورة المحفورة في ذهنك، والمشاهد التي تذكرينها عن بيت والدك وحياتك فيه مؤلمة بلا شك. في كتابها "أسر مسممة" قالت المعالجة النفسية والمؤلفة الأمريكية "يزرع أباؤنا وأمهاتنا داخلنا بذورًا عاطفية. بذورًا تنمو معنا إذ نتقدم في السن. في بعض الأسر، تكون تلك بذور حب واحترام واستقلالية. بينما تكون في أسر أخرى كثيرة بذور خوف أو التزام مرضي أو شعور بالذنب"، ويبدو للأسف أن هذا هو ما حدث معك، وترك لديكِ ذلك الشعور بالذنب وأنك مرفوضة.
تحدثتِ في رسالتك عن الماضي، في بيت والديك، وعن الحاضر في بيت زوجك، وعن المستقبل الذي تخافين أن يعيشه ابنك. وهو ما ينبغي أن يمنحك طاقة جديدة لتجنب الوصول لنفس النتيجة. لتجنب غرس نفس البذور التي أنبتت الشوك الذي لطالما وخز قلبك وأدماه، ولا يزال يدميكِ.
تستحقين أن تتجاوزي ألم الماضي. وتستحقين أن تغيري ما يمكنك تغييره في حاضرك وتتجاوزي ألمه أيضًا، ويستحق ابنك منك أن تكسري دائرة الوجع وتجنبيه الألم ذاته الذي تعيشيه.
ولأجل ذلك، عرضنا هذه المشكلة على الدكتور لؤي محمد وجدي، اخصائي المخ والاعصاب والطب النفسي الذي قال إن ما تروينه عما حدث في بيت والديك يعكس تعرضك للعنف الأسري بكل أشكاله، سواء بدني أو نفسي أو حرمان من العاطفة الطبيعية، وهو ما ينعكس بالسلب على تكوين الشخصية في الكبر، وهو السبب في شعورك المستمر بالذنب والدونية والرفض من الآخرين. كذلك ما ذكرتِه عن علاقتك بالزوج، تعكس أنها علاقة غير جيدة وهشة جدًا، مما يجعلك تفتقدين دعم الزوج، وتفتقدين بشكل عام للدعم الاجتماعي.
ومن أجل مواجهة ذلك، وبشكل خاص مع وجود الأفكار الانتحارية، تحتاجين لإجراء تقييم نفسي لدى مختص، ويمكن إجراؤه في أي من العيادات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، حيث يحددون لكِ بوضوح مدى الضرر النفسي الذي تعرضتِ له، والذي يسبب شعورك بأن طاقتك قد نفدت وأنك غير قادرة على التعامل، لا مع المجتمع ولا حتى مع ابنك الذي تتمنين له مستقبلاً أفضل مما عشتيه.
يمكنهم كذلك مساعدتك وتوجيهك فيما يخص الاعتماد على المهدئات والمنومات. وأخيرًا، رغم قلة التفاصيل في القصة، إلا أن الجانب الإيجابي هو وجود الوازع الديني الذي يمنع عن تنفيذ الانتحار، إلى جانب تفكيرك في طلب المساعدة والذي يعكس رغبة حقيقية في الخلاص من هذه المتاعب والحصول على حياة تليق بكِ.
فى إطار حرص "انفراد" على التواصل المباشر مع القراء، وتقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة، أطلقت "انفراد" خدمة "وشوشة" لتلقى أى استفسارات أو مشاكل نفسية أو اجتماعية أو تربوية، على أن يتم عرض المشكلات على الخبراء والمختصين الموثوقين ونشر الردود عبر الموقع الإلكتروني والجريدة.
يمكنكم التواصل معنا من خلال رقم واتس اب 01284142493 أو البريد الإلكترونى
[email protected]أوالرابط المباشر.