28 عاما قضاها الرجل الأربعينى حسام السقا بين قطع الجلود وتصميم وحياكة وإنتاج الحقائب والحافظات الجلدية بمختلف أنواعها وأشكالها، راجت بضاعته فى الحى الشعبى الذى يقطن فيه بشبرا الخيمة لسنوات طويلة، ولكن لم يدم هذا الحال طويلا، لأنه لم يقدر على منافسة بضائع الصين الرخيصة التى غزت الأسواق المصرية مع توقيع مصر على اتفاقية التجارة الحرة فى أوائل الألفية، ورغم تراجع حركة الواردات منذ عامين بسبب أزمة نقص العملة الصعبة، إلا أن "السقا" وجد نفسه غير قادرًا على الاستمرار فى ظل ارتفاع تكلفة شراء الخامات المستوردة.
"السقا" الذى تخرج من كلية التجارة قسم اللغة الإنجليزية بجامعة حلوان، وجد فى صناعة والده الصغيرة مخرجا له لتحقيق الربح خاصة فى ظل عدم وجود فرصة عمل مناسبة بشهادته، لكن صناعته الموروثة تلك باتت تئن منذ سنوات بسبب "المستورد" بعد أن كان "ملك السوق" فى منطقته لأكثر من 20 عامًا.
وقال "السقا" لـ"انفراد": "أعمل فى هذه المهنة مع والدى منذ ثمانينات القرن الماضى عندما كنت فى المرحلة الثانوية.. واكتسب أبى خبرته فى هذا المجال من خلال اختلاطه بمجموعة من الإيطاليين وجنسيات أخرى أثناء فترة عمله بليبيا".
ويروى السقا، أن والده كان يملك ورشة كبيرة فى منزله يعمل بها عدد من العمال، وكان ينتج حقائب مدرسية وحقائب لأغراض أخرى مثل حمل المستندات وحافظات جلدية، وكانت تتميز بالجودة ويفضلها المستهلكون لسنوات، ولكن منذ بداية الألفية دخلت مصر فى اتفاقيات تجارة حرة، جعلت البضائع المستوردة تغزو السوق ولم تعد الصناعة المصرية قادرة على المنافسة.
ومع شدة المنافسة التى لم يقدر عليها "السقا"، وجد نفسه مضطرًا لبيع الحقائب المستورة ليحقق ربح دون أن ينهى صناعته اليدوية بالكامل، ولكن بقدرة إنتاجية أقل.
وبعد مرور سنوات على توقفه عن صناعة الحقائب الكبيرة واكتفائه بالحافظات الجلدية الأقل تكلفة، يحتفظ السقا بـ"ألبوم صور" يضم مجموعة من أعماله السابقة التى ظل يصنعها بيديه حتى أوائل الألفية، والتى تشير بوضوح إلى أن الورش الصغيرة إذا كان لديها عمالة ماهرة وتوافرت لها مقومات الإنتاج من خامات بأسعار مناسبة يمكنها المنافسة وبقوة ليس فى الشكل الجيد فقط ولكن فى الخامات أيضا.
ولم يتمكن صانع الحقائب وغيره من القلائل فى السوق المصرى من استغلال تراجع حجم الاستيراد منذ عام 2015، وهو ما برره بأن جميع خامات الصناعة من الجلود والحليات والاكسسوارات مستوردة من الخارج، وحتى المغناطيس الصغير المستخدم فى غلق الحقائب مستورد أيضا، وهو الوضع الذى زادت صعوبته بسبب نقص الدولار، فأصبحت الخامات أعلى سعرا مما سبق، ولم تتمكن الصناعة المصرية من العودة للمنافسة مرة أخرى.
ويرى السقا، أن ارتفاع أسعار الخامات ليس هو العائق الأكبر أمام عودة الصناعة المصرية للمنافسة من جديد، ولكن توفير العمالة الماهرة التى اختفت من السوق، فلا يوجد مدارس فنية تخرج عمالا فى مجال صناعة الحقائب أو الأحذية، وهو مهنة تحتاج مهارة كبيرة فى التصميم على وجه التحديد، قائلا : "الجلوس أمام ماكينة الخياطة أسهل شئ".