لأنها دنيا فلن تبقى لك على وتيرة واحدة، لابد وأن تتذوق من كافة وجوهها وتتحمل، بل وتزداد قوة وصلابة فى مواجهة شدائدها وفواجعها، مثل خبر فقدان الطائرة المنكوبة، بالتأكيد هو حدث جلل صدع فى قلوب الجميع وخصوصا أسر وأحباء المفقودين.
ترى ما هو تأثير الصدمة؟ وما هى الطريقة الطبية والنفسية المثلى للتعامل مع صدمات مثل هذه الأخبار والأحداث التى تترك بصمتها فى أعماق النفس وشرخ الوجدان؟
كرب ما بعد الصدمة
يوضح الدكتور أمجد خيرى كامل، استشارى نفسى، أن كرب مابعد الصدمة Post Traumatic Stress Disorder، عادة ما يأتى نتيجة حادث شديد يحمل تهديدا خطيرا لأمان وسلامة الشخص أو أحد أقرباءه أو أحبائه مثل الكوارث الطبيعية (تسونامى، إعصار ساندى فى أمريكا) أو حوادث مثل سقوط الطائرة المنكوبة، أو اعتداء إجرامى أو اغتصاب، أو انهيار عقار وموت أفراده.
فقدان الذاكرة حيلة دفاعية لا شعورية
يوضح الدكتور أمجد خيرى أن ظهور الأعراض على أهالى الضحايا، وأحيانا أقاربهم وأحبائهم يكون فى صور متباينة تباينا شديدا منها مثلا: فقدان الذاكرة amnesia، وهى من أهم الحيل الدفاعية اللاشعورية، التى تحدث عند الشدائد وقد يستمر هذا الأمر لساعات أو أيام أوشهور وأحيانا سنوات عديدة، وقد قدمت الدراما فيلما يشرح هذا المرض تحت مسمى "الليلة الأخيرة" قامت ببطولته الفنانة فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وحسين مرسى.
تحول الألم النفسى إلى ألم عضوى
ويشير "خيرى" إلى أنه فى بعض الأحيان يصاب المريض بما يسمى بالاضطرابات التحويلية Conversion disorders، بمعنى أن يتحول القلق والألم النفسى إلى عرض عضوى أو جسدى، فيعبر الجسد من خلال إحساسه بالألم مثل فقدان الصوت (الحبسة) Aphonia، إذ يفقد فيها المريض القدرة على الكلام تماما ويعبر عن نفسه بالإشارة أو الكتابة، وأحيانا يتحول إلى مجرد همس.
شلل هيستيرى!!
ويقول: (أحيانا يصاب الشخص بشلل هيستيرى سواء فى أحد الأطراف أو الساقين وقد تصاب جميع الأطراف.. وبالطبع هناك فارق كبير بين هذا الشلل الهسيتيرى المؤقت والشلل العضوى.. وقد يصاب المريض بنوبات هستيرية تتراوح من إغماءه بسيطة إلى تهيج عصبى مع تحطيم المريض كل ما أمامه فى نوبة مشابهة للنوبات الصرعية من فرط شدتها!!).
نوبات من الهلع
ويضيف أنه قد يأتى الكرب فى صورة نوبات من الهلع panic، حيث يشعر المريض بخفقان شديد (زيادة فى دقات القلب) وألم بالصدر وإحساس بالاختناق والدوار واحساس بتبدد الشخصية أو الغربة عن الواقع أو تعذر إدراك الواقع، بالإضافة إلى شعور المريض بالصدمة بدنو الأجل أو فقدان التحكم فى النفس وربما الجنون!!
مدارس علاجية مختلفة لتخطى الصدمة
ويقول: (بالنسبة للعلاج فهو متفاوت وفقا لصعوبة الحالة وشدة الصدمة، فهناك العلاج الدوائى بالمهدئات الصغرى مثل: البنزوديازبين، إلى جانب مضادات الاكتئاب التى لها خاصية مؤثرة على الناقل العصبى "السيروتونين".
وقد نلجأ أحيانا إلى الإيحاء بواسطة المنبهات الكهربائية على المخ، أو على الطرف المشلول خاصة فى حالة الشلل أو انعدام الإحساس. أما مدرسة التحليل النفسى فلها مسلك آخر وهو جلسات العلاج النفسى للكشف عن العوامل الدفينة اللاشعورية المسببة للأعراض، ويمكن أن تتم تحت تأثير التخدير من خلال حقنة فى الوريد (أميتال الصوديوم)؛ وذلك لتسهيل عملية التفريغ النفسى. أما المدارس العلاجية الحديثة فتعالج بجلسات العلاج المعرفى السلوكى، والعلاج المعرفى الانفعالى، وتعتمد على تغيير الوعى وأفكار الفرد تجاه ذاته والعالم الخارجى مما يودى إلى تغير الوجدان والمشاعر وبالتالى تغيير السلوك، وهناك أيضا مجموعات الدعم النفسى التى تقدم لمجموعات لها نفس المشكلة، مجموعة مثلا تعانى من كرب ما بعد الصدمة.
هناك أيضا طرق أخرى طويلة المدى مثل العلاج بالرقص وهى غير منتشرة فى مصر، والعلاج بالعمل والعلاج بالموسيقى وجلسات التنويم الإيحائى، بالإضافة إلى أنشطه علاجية مختلفة ومتنوعة تهدف إلى تنشيط كل القدرات المعرفية والوجدانية والمهارية، تُعطى بجرعات متزايدة تدريجيا بحسب الخطة العلاجية المتكاملة حتى يستعيد الجسد نشاط إيقاعه ويستعيد الوعى ويقظة تواصله، وبالتالى يستطيع المريض تجاوز صدمته ومحنته والتغلب على انسحابه من المجتمع؛ ليصبح قادرا على الحب والعمل والتكيف مع المجتمع.