لا تزال وزارة الصحة، تتطلع إلى مشاركة القطاع الخاص، فى إدارة وتشغيل مستشفيات التكامل التابعة لها، وهو ما يعد فصلاً جديداً من فصول تطور مفهوم مستشفيات التكامل، والذى بدأ بمفهوم تحسين الصحة القروية فى مطلع أربعينيات القرن الماضى، على يد الدكتور عبد الواحد الوكيل، والذى شغل قبل هذا الحين منصب مدير مديرية الصحة بالقاهرة، ثم أستاذ الصحة العامة بكلية الطب جامعة القاهرة، وكان يحلم وقتها بمشروع قومى لتحسين الصحة القروية، وجاءته الفرصة حين تولى منصب وزير الصحة عام 1942، والذى يعد العلامة الهامة والمضيئة فى مسار الرعاية الصحية الأولية فى الريف المصرى، حيث استطاع الدكتور عبد الواحد الوكيل بمجرد توليه الوزارة، إستصدار القانون رقم 46 لسنة 1942 بتحسين الصحة القروية.
وتأسيساً على هذا القانون، قامت وزراة الصحة فى هذا الحين، بإنشاء مجموعات صحية، تخدم كل منها عدداً متقارباً من القرى، يبلغ عدد سكانها من 15 إلى 20 ألف نسمة، وبحيث تشمل داراً لرعاية الأمومة والطفولة، تعمل بها مولدة مدربة، ويتم تكليفها بالتثقيف الصحى، ورعاية الأمومة والطفولة، والإشراف على صحة تلاميذ المدارس، ونظافة المساكن، وحمامات ومغاسل النساء والأطفال، ومع هذه الدار، عيادة طبية مجانية، يتولاها طبيب متمرس على الشئون القروية، وتشخيص وعلاج والوقاية من الأمراض الأكثر انتشاراً فى الريف، ويتم تكليفه بالتثقيف الصحى للرجال، وقد نص القانون على تكليف هذا الطبيب بأعمال إدارية ووقائية وبيئية، ومراقبة الأغذية، وتمتع بصفة الضبطية القضائية، وألزم القانون كلاً من الطبيب والمولدة بالإقامة فى مقر عملهما.
وقد بلغ عدد المجموعات الصحية التى تم تشكيلها وفقاً لهذا القانون، 73 مجموعة عام 1943، و222 مجموعة عام 1952، حتى وصل 254 مجموعة عام 1953، حين قامت مصلحة الصحة القروية، التابعة لوزارة الصحة، بإصدار كتيب التعليمات التنظيمية لأعمال واختصاصات موظفى هذه المجموعات أو الوحدات الصحية، حيث ضمت خدماتها فى هذا الوقت، عيادة خارجية ملحق بها صيدلية، ومعمل تحاليل لفحص الأمراض الشائعة، ولإجراء الفحص الشامل لسكان المنطقة، وعلاج المرضى منهم بالأمراض المتوطنة، وكذلك إسعاف المصابين فى حالات الطوارئ، واستقبال الحوادث، وإلى جانب خدمات القسم الداخلى لإقامة المرضى، بمتوسط 15 سريراً للوحدة الصحية الواحدة، لعلاج الحالات التى تحتاج الرعاية السريرية، وبحيث تحال الحالات التى تحتاج إلى إمكانات أكبر، إلى المستشفيات المركزية المتخصصة.
وفى عام 1962، أجرت مصلحة الصحة القروية، تقييماً لأداء المجموعات الصحية العاملة وقتها، انتهى إلى أن أغلب خدماتها يستفيد منها أهل القرية التى يضم مقرها، وبحيث تقل الاستفادة كلما بعدت باقى القرى عن هذا المقر، وبناءً عليه، رأى الأستاذ الدكتور النبوى المهندس، وزير الصحة فى هذا الوقت، إنشاء الوحدة الصحية الريفية، وهى وحدة أصغر لكل قرية، تؤدى نفس الخدمات فيما عدا القسم الداخلى، واستهدف المشروع توفير وحدة صحية ريفية لكل 5 آلاف نسمة، وإنشاء وحدة صحية ريفية فى كل قرية يبلغ تعدادها 4 آلاف نسمة، وتبعد عن أقرب مجموعة صحية مسافة أكثر من 3كم، وبحيث يتم تجميع القرى الأقل تعداداً، فى مجموعات سكانية لا تزيد المسافة بينها عن هذه المسافة.
وبعد دراسة الموقف فى جميع المحافظات، تبين الاحتياج إلى 2500 وحدة صحية ريفية، لتحقيق التغطية الشاملة للخدمات الصحية، فقامت مديريات الشئون الصحية، بالتعاون مع الإدارة العامة للصحة القروية، بوضع أولويات إنشاء الوحدات الصحية الريفية لكل محافظة، على ضوء تعداد سكان قراها، وبعدها عن أقرب وحدة صحية قائمة بالفعل، وعلى أن يراعى تجهيز هذه الوحدات القائمة كوحدات رئيسية تضم الأقسام الداخلية، وأطباء لهم خبرة بالجراحة، بحيث يحال إليها من الوحدات الصحية الريفية، حالات الجراحة، والولادات المتعسرة، والحالات التى تحتاج العلاج بالأقسام الداخلية، وتقرر أن يعمل بكل وحدة ريفية صغيرة، فريق نمطى يرأسه طبيب، ومع مراعاة توفير سكن للأطباء، وسكن للتمريض، وقد واكب هذا التطور، التوسع فى إنشاء كليات الطب فى مصر.
وفى عام 1975، وكانت الوحدات الصحية الريفية وقتها قد بلغت معدلاً كبيراً من الإنتشار، حيث حرصت وزارات الصحة المتعاقبة على إدراج استثمارات خاصة فى هذا الشأن، تواكب الزيادة فى عدد السكان، بدأت الوزارة فى هذا العام فى تنفيذ خطة لتطوير المجموعات الرئيسية، والوحدات الصحية الريفية، بحيث يرتفع مستواها إلى مستشفيات قروية، وأعطت الأولوية فى هذا، للمجموعات التى تخدم عدداً أكبر من السكان، وتبعد مسافة أكبر عن المستشفى العام بعاصمة المحافظة أو مركزها، وقد استهدف هذا التطوير، رفع مستوى الخدمات العلاجية، وخدمات الطوارئ، وتقديمها بمستوى الطبيب الأخصائى، وتقديم خدمات تشخيصية أكثر تطوراً، علاوة على زيادة التغطية بالخدمات الوقائية، ورفع كفاءة المبانى، وتجهيزاتها الطبية، وتنمية مهارات وقدرات العاملين بها فى مختلف التخصصات.
واستمر الحال ما بين نجاحات هنا، وإخفاقات هناك، حتى عام 1997، حين عجز قطاع الرعاية الأساسية بوزارة الصحة، عن تشغيل المستشفيات القروية بشكل اقتصادى، بالإضافة إلى عدم قدرته على توفير أطباء أخصائيين، لعزوفهم عن العمل فى الريف لنقص الإمكانيات، وكذلك فشل القطاع فى توفير مستلزمات التشغيل، وتفعيل خطط صيانة هذه المستشفيات، فصدر قرار الأستاذ الدكتور إسماعيل سلام، وزير الصحة والسكان فى هذا الوقت، بنقل تبعية هذه المستشفيات القروية إلى القطاع العلاجى بالوزارة، ومع تغيير مسماها إلى مستشفيات التكامل، إقراراً لطموح رفع مستوى الخدمات بها، والعمل على توفير الموارد اللازمة فى هذا الشأن، بل والتوسع فى إنشاء هذه المستشفيات، بهدف السعى نحو توفير تكامل كافة الخدمات الصحية فى طول البلاد وعرضها.
وعلى نبل المقصد، إلا أنه لم يتحقق على أرض الواقع إلا زيادة عدد هذه المستشفيات، تحت ضغط من أعضاء المجالس النيابية والمحلية والسياسيين، ولم يواكب هذه الزيادة إلا العجز فى مختلف الموارد اللازمة لتشغيل هذه المستشفيات بالحد الأدنى من الكفاءة المطلوبة، وهو ما لم يجد معه برنامج آخر للإصلاح الصحى فى وقت لاحق، إلا أحد أمرين، تحويلها إلى مستشفيات مركزية إذا انطبقت عليها معايير كثافة السكان، والبعد عن أقرب مستشفى مركزى مسافة 20كم، أو تحويلها إلى مراكز طب الأسرة، ومع استمرار نقص القوى البشرية من الأطباء الأخصائيين، والتمريض، لم تجد وزارة الصحة فى عهد الدكتور حاتم الجبلى، إلا تحويلها بالكامل فى عام 2009، إلى مراكز لطب الأسرة فقط لا غير.
والآن، ينتظر مستشفيات التكامل مستقبل غامض، فى عهد الأستاذ الدكتور أحمد عماد الدين راضى، وزير الصحة والسكان، والذى لم يأت جديده هنا إلا بمشاركة القطاع الخاص فى إدارة هذه المستشفيات، والقطاع الخاص لن يجازف بهذا إلا إذا ضمن تحقيق أرباح، وهذا حقه، فقط نلوم على من يتصدر مشهد الإدارة، وهو لا يملك من أمرها شيئاً، ثم يعهد بها لذويها بالوكالة، وتكفى الإشارة فى النهاية، إلى أن مرجعى فيما عرضت، هو أحد ملفات الدكتور علاء الدين مهدى، والمعروض على منتدى الإصلاح الصحى على الفايس بوك، والذى يضم العديد من خبراء الرعاية الصحية فى مصر، وغيرهم كثر، منتديات وخبراء، يملكون الكثير مما يطرحونه لإصلاح أحوال الصحة المصرية، ولكن لا حياة لمن تنادى!!.