إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2018 عاماً لذوى القدرات الخاصة، أراه أحد أهم إنجازات المؤتمر الوطنى الثالث للشباب المنعقد أخيراً فى الإسماعيلية، ولعل كل ذوى الصلة بهذا الملف الحيوى، يسارعون من الآن نحو إعادة قراءة أوضاع مواطنينا من هذه الفئة، تمهيداً لتأسيس منظومة واقعية متكاملة تختص بشئونهم، وتهتم أول ما تهتم بتعظيم دور هؤلاء كقيمة مضافة للمجتمع وليست عالة عليه، والبداية تكون بالتحرك خطوة أخرى للأمام بشأن إعادة تعريف هذه الفئة من مواطنينا، والذى بدأ بالمعوقين، ثم المعاقين، وأخيراً ذوى الاحتياجات الخاصة، ونتطلع الآن لتعريفهم بذوى القدرات الخاصة، بعدما أثبتوا فى حالات عديدة ومتنوعة، أنهم بالفعل يملكون قدرات خاصة.
تطور المفهوم بهذا الشكل يأخذ الجميع مباشرة إلى مربع الإيجابية فى التعامل مع قضايا ذوى القدرات الخاصة، وفى مساحة تطور المفهوم، لا تقع المسئولية فقط على مؤسسات الدولة، وإنما هو واجب علينا جميعاً كل فى مكانه، حتى ترتقى ثقافة المجتمع فى هذا الخصوص، ولعلنا نشير هنا على سبيل المثال إلى تعريفهم بذوي الهمم فى الإمارات العربية المتحدة، وهو ما لن يتحقق إلا بوضع معايير جديدة لتعريف ذوى القدرات الخاصة، تساهم فى حصر أعداد هؤلاء كخطوة أولى نحو تأسيس قاعدة بيانات فاعلة خاصة بهم، يمكن البناء عليها بثقة حين نعمل على حل مشكلاتهم المعقدة، فلن نستطيع إدارة ما لن نستطيع قياسه.
فمن الصعوبة بمكان، أن تحصل على بيان رسمى يشير إلى عدد هؤلاء المواطنين على سبيل الحصر، بل وتتباين التقديرات الحكومية فى هذا الشأن، ما بين وزارة التضامن الاجتماعى وجهات رسمية أخرى، بحيث تتراوح الأعداد من ثلاثة إلى أربعة ملايين مواطن، بينما تتحدث تقديرات منظمة الصحة العالمية عن أكثر من عشرة ملايين مواطن مصرى فى هذه الفئة، والمسئولية هنا مشتركة بين الدولة والمواطنين، فبقدر عدم اهتمام مؤسسات الدولة المعنية بدقة الحصر طوال السنوات الماضية، ساهمت العادات والتقاليد وقلة وعى المواطنين بأدوارها فى هذا الشأن، وهو ما يطرح مدى صعوبة الأمر، الذى يمثل المفتاح الحقيقى، لتسوية أوضاع مواطنينا من ذوى القدرات الخاصة.
مثلهم مثل جموع المصريين، تزايدت طموحات ذوى القدرات الخاصة بعد ثورة يناير، فى الحصول على كامل حقوقهم أو حتى الحد الأدنى منها، فكان أن نجحوا فى أن يمثلهم حسام المساح عضواً بلجنة الخمسين المختصة بوضع الدستور الجديد عام 2014، والذى نجح بدوره فى الاحتفاظ بإحدى عشرة مادة تحفظ حقوق ذوى القدرات الخاصة، ومنها ما يلزم الدولة بتمثيلهم فى المجالس النيابية والمحلية، وبعدها تم تشكيل المجلس القومى لشئون الإعاقة، ويتبع مباشرة رئيس الوزراء فى قيامه باختصاصاته ومهام عمله، ليختص بمباشرة تسوية أوضاع وحقوق ذوى القدرات الخاصة، ووضعهم بفاعلية على خريطة اهتمامات الدولة، ثم ضم مجلس الشعب تسعة أعضاء منهم العام الماضى.
والآن ارتفع سقف طموحات ذوى القدرات الخاصة، بعد اهتمام رئيس الدولة شخصياً بأوضاعهم، وهو ما تجلى بقوة فى الاحتفاء بهم فى المؤتمر الوطنى للشباب الأخير، وإعلانه العام القادم عاماً لهم، وهو ما يدعونا إلى التفاؤل، ولكنه تفاؤل حذر، بقدر تشابك قضايا هذا الملف وتعقيداته، ولعل إعلان الرئيس يمهد لوضع استراتيجية جديدة فاعلة، ترفع من شأن مواطنينا من هذه الفئة، ولن يكون مشروع القانون الجديد الخاص بذوى القدرات الخاصة، والمنتظر مناقشته خلال الأسابيع القليلة القادمة بمجلس الشعب، سوى خطوة هامة على الطريق، إلا أنه قد يمثل طفرة حقيقية فى حياة هؤلاء، فقط إذا تحولت نصوصه إلى وقائع فاعلة على الأرض.